فواتح سورة الكهف وصناعة الوعي   )

تبقى صناعة الوعي صناعة غير مكتملة وغير متقنة ما لم نستعن بما تقدمه لنا بصائر الوحي من خلال التأييد بالروح ( وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ  ) والروح سر قوة المؤمنين وسلاحهم الاستراتيجي الذي لا يقهر في معركة الوعي .

( قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) ) الأنعام .

قال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) ) الكهف .

قبل أن يُنْزِل الله عز وجل الكتاب على سيدنا محمد ﷺ، ما الذي قد علمه جل شأنه حين قال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ( 1 ) قَيِّمًا...) ؟ !!!  . 

فالكلام يدل بأنه عز وجل قد علم بأن هناك من سيظنون وسيتوهمون بأن الكتاب به ( عوج ) وبحاجة لتقويم !، وبالرجوع للأحاديث النبوية الشريفة والأحداث التاريخية المُوَثَّقة، نجد ما ينير بصيرتتا وما يشير إلى أول عروة نقضت من عرى الإسلام، أي أول ما نقض من فرائضه وأوامره، هو ( الحكم ) ، عن أبي أمامة الباهلي  عن النبي ﷺ أنه قال: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، ( وأولهن نقضا الحكم )، وآخرهن الصلاة )) . أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد .

إن نقض الحكم كان على يد ( معاوية بن أبي سفيان ) الذي تحول الحكم حين توليه إلى ملك عاض ( وراثي ) ليوافق ( هواه ) بعد ما كان ( شورى ) وخلافة راشدة على منهاج النبوة، وملك عاض، أي يعض أهل الحكم على الحكم كما يعض الحيوان المفترس على فريسته، وكان أهله أنذاك الأمويين الذين عضوا على الحكم حتى أطاح بهم العباسيون ليعضوا على الحكم بدلا منهم، وهكذا استمر العض على الحكم في حياة المسلمين السياسية، وذلك ( السلوك المعوج والهوى المنحرف ) وجد له من هم محسوبون على أهل العلم ليشرعنوه وليزينوه لمدة 13 قرنا تقريبا من حكم القاهر المتغلب، ( … وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) ) النور، وهما فترتي الملك العاض والملك الجبري، وصفة العض على الحكم صفة مشتركة بين الملك العاض والملك الجبري .

قال تعالى ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ) الجاثية .

بعض من يقرؤون أول ثمان آيات من سورة الكهف ويأتون على الآية التاسعة، لا يجدون علاقة وثيقة بين الآية التاسعة وما قبلها، ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) ، فالبعض يرى، كأن الآية التاسعة التي جاءت في نفس السياق انتقلت فجأة إلى موضوع آخر مختلف، وهي قصة لفتية ناموا أو رقدوا لثلاثمائة سنة ويزيد ثم استيقظوا .

وتفسير الآية التاسعة، وكما قال المفسرون، أي يقول الله عز وجل، يا محمد هناك آيات أعجب من آيتي أصحاب الكهف والرقيم، أي قال الله عز وجل ، بما معناه، أتحسب يا محمد بأن آيتي أصحاب الكهف والرقيم من الآيات العجيبة ؟!، لاااا … لاااا …بل  هناك آيات أعجب 

وبعد معرفة تفسير ومعنى الكلام الذي تحمله الآية التاسعة، وهو بأن هناك ( آيات أعجب من آيتي أصحاب الكهف والرقيم ) والذي جاء بعد كلام الله عز وجل الذي به إنذار شديد ( لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ ) وهو إنذار جاء مباشرة بعد قول الله ( أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا ) . 

كما أنذر الله من قالوا اتخذ الله ولدا ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) .

أي أن هناك إنذارين لفئتين، فئة رأت بأن الكتاب به ( عوج ) ونقضت فرائضه وأوامره ليوافق أهواءها المنحرفة واعوجاج سلوكها، وفئة قالت أتخذ الله ولدا، فكلا الفئتين على رأس من نزل بهم بأس الله الشديد الذي جعل منهم آيات أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم .

ولقد بين الله عز وجل بأن هناك آيات أعجب من آيتي أصحاب الكهف والرقيم، بعد الآيتين ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ، وفي الآية السابعة بيان بأن هناك ابتلاء واختبار يجري على الناس، فليس المطلوب منك يا محمد أن تتألم نفسيا إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أو كلام الله عز وجل، وكما جاء في الآية السادسة، ثم، قال الله عز وجل في الآية التاسعة عما يشعرك بأن الذين سيفشلون أمام سنة الابتلاء ويفتنون بالدنيا وزينتها ستجري عليهم عقوبات دنيوية شديدة ونتائجها من آيات الله التي تكون أعجب من آيتي أصحاب الكهف والرقيم بعد ما كان هناك إنذارات بينة وواضحة ( لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ ) … ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) .

قال تعالى ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) ) الأنفال .

قال ابن كثير  ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) أي : لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به، ينذره بأسا شديدا، ( عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة من لدنه ) … 

فالبداية كانت في أول آية ( أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ) وأثبت ذلك ( وأولهن نقضا الحكم )، فالمسألة بينة وواضحة، ولكن الأهواء لا تجعل المسائل عند أهل البدع والزيغ والأهواء بينة وواضحة، فذرية إبليس صاغوا صياغات فكرية في بعض العقول جعلوها لا تنطلق لتفكر ولتتدبر في الإتجاه والمسار الصحيح بعد ما وجد أصحابها ما يمنعهم من ذلك، مثل ( الصحابة عدول، معاوية كاتب الوحي، وهو خال المؤمنين ... إلخ  ) مع العلم أن هناك أحاديثا تحذر من إحداث واستجلاب البدع .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ...فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة". ( رواه أبو داوود والترمذي وقال حسن صحيح) .

( عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ ))؛ رواه البخاري ومسلمٌ، وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ )). وهناك عدة أحاديث تدور حول خطورة استحداث البدع في الدين .

عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي ﷺ قال: ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ )؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى ؟ قال النَّبيُّ ﷺ : ( فَمَن؟! )؛ رواه الشيخان .

ومن سنن اليهود والنصارى في الجانب السياسي التي استن بها معاوية وورثها لابنه يزيد هما : 

أولا  : ( التوريث بدلا من الشورى ) 

ثانيا : ( الطواف في فلك الأشخاص وأفكارهم الخاطئة والفاسدة وفي فلك الأشياء  بدلا من الطواف في فلك أفكار الرسالة ) .

فالطواف الخاطئ الذي ورثه معاوية لمن بعده يفسد موازين العقول ويغيب الوعي والشعور ويطمس البصيرة ويضيق الأفق والمدارك ولا يحصن من تسلط الشياطين، وأما الطواف الثاني الصحيح فهو يؤدي إلى سلامة موازين العقول وينير البصيرة ويرفع مستوى الوعي والشعور ويوسع الافق والمدارك ويحصن من تسلط الشياطين، وهذا ما كان عليه السلف الصالح والتابعون ومن جاء بعدهم من العلماء، وأما الخلف الطالح فهم ورثوا ما ابتدعه السلف الطالح حيث يكون الولاء لأشخاص الملوك وليس لله عز وجل ولأفكار الرسالة، وذلك يفسر انحدار الأمة في الوقت الحاضر نحو الدرك الأسفل من الحضيض، إلا من رحم الله وعافاه .

وبعد معرفة ما ذكرته حول الآيات من سورة الكهف، سيجد المؤمن الذي تأمل بأحوال الناس الفكرية والروحية بأن هناك تطابقا بين ( الخبر والصورة ) أي بين ما قرأه من الآيات وبين الصورة الماثلة أمامه لأحوال الناس المتردية ( الفكرية والروحية والنفسية والعقلية ) . 

كما سيجد إجابة وافية وشافية وكافية على تساؤلاته التي تدور في ذهنه حول كثير من المظاهر والظواهر التي تدل على فساد موازين العقول وطمس البصائر وذهاب الوعي والشعور وضيق الأفق والمدارك، فإنسان الكهف هو ( الإنسان الحي الميت … " ميت القلب " ، اليقظ النائم … " نومة فكرية " ، المتعلم الجاهل " … الجاهل بحقائق الأشياء "، المكتمل الحواس الفاقد للشعور والإحساس ) ، أي الحالة ونقيضها، فمثل ذلك الإنسان آية من آيات الله الملفتة التي تثير العجب والاستغراب عند من لمسها وتأمل بها وأدركها، ومن يعيشون بتلك الحالة سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، من الطبيعي أن لا يعون ولا يشعرون بما حل بهم، فهم لن يشعروا ولن يعوا ولن يدركوا إلا إذا أراد الله عز وجل لهم الإحساس والشعور والوعي والإدراك، فهكذا أرادها الله عز وجل لهم، وبالنسبة للمتدينين، إذا ما طالتهم الحالة فهي تطالهم بسبب فساد معتقدهم أو قصور في فهمهم أو خطأ في ممارساتهم وتطبيقاتهم أو لعدة أسباب أخرى  .

ومن أدركوا الحقيقة أو حقائق الأشياء قد أدركوا بأن العقوبة الدنيوية الربانية الخفية عقوبة شديدة جدا لا يتصورها معظم الناس، وهي عقوبة ( غريبة في طبيعتها وصورتها ومظهرها ) وهي تدل على بأس الله الشديد، ( لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ )، كما تدل على أن الإنسان لا يملك نفسه وقدراته وإمكاناته، ومن ضمنها وعيه وإحساسه وشعوره وإدراكه وقدراته العقلية، فمن الممكن أن يرفعها الله عز وجل أو يخفض من مستواها وقدراتها 

إن معرفة وإدراك حقيقة ما جرى على الناس سيترتب عليه رؤية إسلامية جديدة للحياة وأفكار ومفاهيم وتصورات جديدة، ( فالحكم على الشيء فرع من تصوره ) ، أي سيكون هناك فقه جديد للواقع وفقه جديد للأولويات وفقه ومفهوم جديد للسياسة وإدارة شؤون وحركة المجتمع وأمور أخرى ترتبط بالحالة التي في خفاء تام عن معظم الناس  .

وأهم ما يجب أن يضعه الناس نصب أعينهم ولا يغيبوه عن أذهانهم حتى يسلموا بأنفسهم ويحسنوا خواتيهم ومآلاتهم، هو أن ( الله عز وجل هو الحاكم المطلق للوجود القائم ) وليس هناك من يشركه في حكمه إطلاقا، لا نبي ولا ولي، فذلك أحد أهم الدروس المستفادة من سورة الكهف، فالله جل قدره هو من وضع السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم وهو من يكافئ ويجزي من كانت حركته في الحياة متوافقة معها، وهو من يعاقب من كانت حركته في الحياة غير متوافقة معها .

فمثلما هناك عقوبات أخروية خفيفة وشديدة هناك عقوبات دنيوية خفيفة وشديدة ظاهرة وخفية، وهي عقوبات لا تنزل بالمتقين الذين يتقون غضب الله وسخطه وعقابه ويتقون التصادم مع سننه وقوانينه، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 

لذلك أنا أرى بأن المسألة بحاجة لإحداث ( ثورة فكرية ) في جو من الأمن والحرية والإنفتاح حتى تتجلى الحقائق للناس، وأنا أعتقد بعد ما يدرك الناس الحقيقة الغائبة وتتضح لهم الصور والمعاني سيكون خيارهم ( خلافة على منهاج النبوة ) ليتصالحوا مع ربهم وخالقهم ويوقروه ويعظموه ويسلموا أمرهم للحاكم المطلق للوجود القائم جل قدره، وتصالحهم مع خالقهم مظهره سيكون بجعل حركتهم طواعية - دون جبر وقهر - حركة متوافقة مع السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم بعد دراستها ومعرفتها، أي حركتهم تكون باتجاه طاعة الله جل شأنه، فهم بذلك سوف ينالون سعادة الدارين بعد ما تقلب العدادات من السيئات إلى الحسنات، بعد كلمات وأعمال بسيطة، فعند الله السعة وهو العفو الغفور وهو الحبيب الطبيب جل شأنه، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) ) فاطر من يدرك حقائق الأشياء وحقيقة ما جرى على الناس يدرك بأن مسألة إدارة حركة المجتمع المسلم وجعلها حركة متوافقة معها السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم لا تتم بواسطة سلطان القوة إطلاقا، وكما فهموا أتباع المدارس التقليدية الذين حكموا بالقهر والجبر والزجر، كالوهابيين وداعش، بل بواسطة سلطان العلم، وكل بفنه  . ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) ) الكهف 

وعودة الخلافة على منهاج النبوة هو ما تخشاه قوى التخلف والإنحطاط التي تستشعر بقرب انتهاء سيطرتها وهيمنتها، وهي تستشعر لأن أحاسيسها ومشاعرها مرتبطة ارتباطا وثيقا بأحاسيس وبمستشعرات الشياطين التي تلبستهم وتمكنت منهم، والتي أكثر ما تخشاه عودة الخلافة على منهاج النبوة، وهي الفترة الزمنية القادمة بإذن الله التي سيخرج معظم الناس فيها من تحت وطأة العقوبة الربانية الشديدة الخفية والحالة الفكرية والروحية التي ألمت بهم وجعلتهم من الآيات التي أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم .

وبناء على ما تقدم، تصبح المسألة بالنسبة لمن أدرك حقيقة ما جرى على الناس ليست التفكير بتصنيفهم، كتكفيرهم أو تفسيقهم أو وصفهم بالنفاق … إلخ، ولا محاربتهم ومعاداتهم، بل هي حالة عجيبة ملفته دخل بها معظم الناس لعدة أسباب وهي بحاجة لعلاج، ولذلك يجب أن يتجه التفكير نحو طريقة وكيفية ( تبصيرهم وتوعيتهم ) بحقيقة ما جرى عليهم من الله جل شأنه، وبعض الذين سلموا من الدخول في الحالة وعافاهم الله عز وجل، غالبا يبحثون عن تفسير لتلك الحالة التي شدت انتباههم وهي حالة ( إنسان الكهف )، وآمل أن يجدوا في هذا المقال من شدت انتباههم تلك الحالة إجابة وافية كافية شافية، وبالله التوفيق ؛

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) ) الكهف …

 إذا ربحت الإنسانية معركة الوعي كان الخلاص