هل تستحق كل معارك الحياة أن تخوض غمارها؟.. أن تستنزف روحك وطاقتك في سبيلها... ليس الأمر كذلك.. هناك الكثير من الأمور التي تسرق منا أوقاتنا وسلامنا النفسي دون طائل ودون منفعة حقيقية .. ما جدوى أن تقاتل من أجل الإبقاء على علاقة تعطي فيها من قلبك وروحك ولا تأخذ شيئا.. وتظل معلقا بأمل لا يأتي أبدا.. ما جدوى أن تصارع وتتحمل سخافات مدير وزملاء عمل في وظيفة لا تحقق لك أي شيء من طموحاتك، فقط تستهلك وقتك وتمتص طاقتك .. ما جدوى أن تستمر في مجال دراسي لا تحبه أو اكتشفت أنك لن تحبه ولن تتميز فيه... كل هذه نماذج لمعارك تستمر فيها فقط لأنك بدأتها ولا تملك شجاعة الانسحاب أو التراجع.. في كثير من الأحيان يكون التراجع هو قمة الشجاعة ومنتهى الحكمة .. أن تدرك منذ البداية أنك تخسر وقتك . تخسر طاقتك .. تخسر حماسك ..أو على أفضل تقدير لا تكسب شيئا من الاستمرار، تظل عند النقطة صفر لا نقاط سلبية ولا نقاط إيجابية .. فقط السكون والثبات المفضي إلى النهاية والموت المعنوي...على كل منا أن يقف كل حين ليرى أين كان وأين وصل .. هل هذه معركتي التي تستحق النضال فيها أم هي معركة فرضت علي وسأهزم فيها لا محالة لأنها ليست لي؟.. هل هذا طريقي وما حلمت به؟... يقول د.أحمد خالد توفيق: ‏(أخشى أن أستيقظ يوماً في الأربعين لأجد أنني ضيعت حياتي بسبب خيار خاطئ اتخذته وأنا في سن العشرين)... وباعتقادي أن أسوأ قرار يتخذه الإنسان ليس هو القرار الخاطئ ولكنه قرار الاستمرار في الطريق الخاطئ...في الحياة لن تعدم الخيارات فبدائل الحياة لا منتهية .. المشكلة أننا أحيانا نحصر تفكيرنا في طريق واحد ونظن أن الحياة لا يمكن أن تمضي إلا من خلاله.. لا يهم متى تتخذ قرار الانسحاب المهم أن تقدر على اتخاذه .. قرأت قصة لطيفة جدا لأستاذة بكلية الفنون الجميلة سأنقلها لكم كما حكتها هي .. د. منى علي.. هي فنانة تشكيلية وأستاذة في كلية الفنون الجميلة كانت بدايتها طالبة في كلية الصيدلة بناء على رغبة الأهل نظرا لحصولها على درجات عالية في الشهادة الثانوية أهلتها لدخول هذه الكلية بينما كانت رغبتها الحقيقية دراسة الفنون الجميلة ورفض ذلك الأهل إذ لم تكن من الكليات المهمة آنذاك .. فنزلت على رغبتهم .. درست ما لم تحب بفتور وبلا حماس وتخرجت بتقدير متوسط ثم تزوجت وعملت في صيدليتها الخاصة لمدة ثلاث وعشرين سنة!!.. ولكن ظل شغفها الحقيقي بالفن لا يبارحها .. ترسم على الجدران و الشبابيك وفي كل مكان... أدرك زوجها ذلك فأراد أن يساعدها في تحقيق حلمها فتكلم مع صديقه أستاذ الفن التشكيلي بشأنها وعلم منه إمكانية التحاقها بالكلية بشرط اجتيازها امتحان القدرات... اجتازته والتحقت بالكلية بعمر الخمسة وأربعين، وبدأت الدراسة مع الطلبة الصغار بعمر أبنائها...أقبلت على الدراسة بكل حماس وشغف وحققت تقديرات ممتازة بكل أعوام الدراسة ثم تخرجت بعمر الواحد وخمسين... رفضت الكلية تعيين معيد بهذا العمر المقتدم .. لم تيأس .. لجأت للقضاء وتم تعيينها بعد ثلاث سنوات كانت قد أنهت خلالها الماجستير ثم الدكتوراة فقط في خمس سنوات... هي حاليا أستاذة في الجامعة وفنانة بالإضافة لنشاطاتها الثقافية والاجتماعية الكثيرة المتعلقة بالفن ... بدأت رحلتها بعمر ٤٥ بعد أن أمضت ٢٨ سنة بطريق لم تحبه .. بل فرض عليها ورضيت بذلك وأكملت بالطريق الطويل .. إلا أنها امتلكت شجاعة التراجع رغم طول المسير ... شجاعة الانسحاب.

some beautiful paths cannot be discovered without getting lost

(Erol Ozan)

بعض المسارات الجميلة لا يمكن اكتشافها دون أن تضل الطريق!

لا تدع سوء البدايات يحبطك .. ولا يحملك طول مكوثك في الطريق الخاطئ على أن لا تسلك غيره