الزجاجة التاسعة عشر

إلي رغد ليليّ :

أكتب لكِ بعد أن جبت البحار ذهابًا وإيابًا ، حيث كبرت بين أمواجها ، وترك الزمن علاماته على وجهي وذاكرتي، أدركت أن البحارة لا يبحرون فقط بأشرعتهم ، بل بأرواحهم المربوطة  بأسرار البحر وخرافاته التي تسكن أعماقه.

حدثني البحارة عن السماء الحمراء ، كما لو أنها مرآة لمزاج البحر. إذا تلونت الشفق بلون الشروق الحارق ، فهذه إشارة للعواصف التي تختبئ في الأفق. أتذكر، ذات مرة، أن أحدهم أشار للسماء وقال: "احذَرْ، البحر غاضب الليلة." وكأن الموجات ترتفع بدافع الإنتقام.

كما أخبرتكِ مسبقًا ، عن إعتقاد البحارة  وجود النساء على السفينة يعتبر نذير شؤم. لا أدري لمَ، لكن ربما لأنهن يملكن قوة أكبر مما يود البحر أن يعترف به. أما أنا، فكنت أرى فيكِ، وأنتِ مراهقة ترتدين ثوبك البحري، تحديًا لهذا الاعتقاد. أذكر حين ارتديتِ ذلك الفستان الأبيض، كيف بدوتِ كجنية خرجت من أغوار البحر. "هل كنتِ حقًا تشعرين بالدوار، أم كان البحر يغار من وجودك"؟

يحكي القراصنة أن البحر لا يحب التحدي. أولئك الذين كانوا يطلقون الطيور البحرية ليقرؤوا اتجاهات الرياح كانوا يهمسون بأدعية، يخشون أن يُغضبوا أرواح المحيط. وأنا ، في كل رحلة ، كنت أراقب النوارس ، أبحث في حركاتها عن دليل يقودني إليكِ.

يا رغد، نحن الآن كبالغين نرى الخرافات كمجرد قصص. لكنني أعترف، البحر جعلني مؤمنًا. مؤمنًا بأنه يحمل حكمة لا يمكن للعقل أن يفهمها ولا للقلب أن يتجاهلها. إذا كنتُ الآن أبحر بعيدًا عنك، فهو لأنني أبحث عن نهاية القصة التي بدأت معنا. عن ميثاق بيني وبين البحر، لا يزال غير مكتمل.

ابقِ قلبك مفتوحًا كشاطئ يستقبل المد والجزر بصبر ، ومحبة . سأعود، حين تخبرني النوارس بذلك.

أحبكِ ، سليمان

١٢/١١/١٩١١