تخيل معي عزيزي القارئ بأن تسمع يوماً أن العلماء رصدوا كوكباً هائلاً وهو متجه بلا شك بإتجاه الأرض، أتكلم عن كوكب كالمشتري مثلاً، و توقع العلماء إصطدامه بالأرض بعد ٧ اشهر من الآن، ماذا ستكون ردة فعلك إتجاه هذا الخبر؟ وكيف ستقضي بقية حياتك؟

هذه كانت قصةً لمسلسل لا أود ذكر أسمه ولا انصح أحداً بمتابعته لما يحتويه من شذوذ ومعتقداتٍ خاطئة، وأظن أنكم تعلمون من هي الشركة المنتجة، أياً يكن، أثار هذا المسلسل في داخلي تساؤلاتٍ لا حصر لها، فلماذا أتت هذه الشركة المعروفة بقبح ما تنشره وتفكيرها الدنيوي بفكرة تتحدث عن غاية الوجود؟ ولماذا صورتها بهذه الطريقة التي يمكن للمجنون أن يفهم ما تحاول الوصول إليه بهذا الطرح؟

عن أي تصوير أتكلم؟ سأخبرك، بعد خروج البطلة من منزلها تذهب لرؤية والديها، في الطريق ترا الناس ترقص وتلهو في الخارج، صارخين بعبارات رنانة مثل (عش حراً) أو (إغتنم الفرصة) بئساً لهم ولإغتنامهم وقتهم، وتصل لبيت والديها فتتفاجئ برؤيتهم عرايا بدون شيء يسترهم، وبعد ترحيبهم بها وتناولهم أطراف الحديث تخرج لتودعهم وتعود لمنزلها لترا كل الناس ينظرون للكوكب في وقت غروب الشمس، ومن دون سابق إنذار ترا رجلاً بجانب والديها يقبل أمها تارة، ووالدها تارةً أخرى، بدون قول كلمة واحدة تغادر عائدةً لمنزلها يحملها الهم، فرغم كون الجميع يستمتع بوقته حتى اللحظات الأخيرة، إلا أنه يستحيل كون ما يحدث منطقياً، وهل يفرح من يعلم بأنه سيموت بعد أشهر معدودة؟

وتستمر قصة البطلة ومغامرتها في البحث عن معنى للوجود قبل أن يسقط عليهم هذا الكوكب فيمحيهم عن الوجود.

علماً بأن كاتب هذه المقالة يكتب لكم وقلبه يكاد يتوقف من الرعب، ليس خوفاً من فكرة كون فكرة الكوكب الذي سينهي البشرية من الوجود حقيقية، ولكن خوفاً من الرسالة التي يقدمها هذا المسلسل.

يقول هذا المسلسل بكل وضوح بأنك تستطيع أن (توجد) للوجود قيمة بنفسك، فحتى وإن كنت كثير التفكير في هدف وجودك في هذه الحياة أو (غريباً) [حسب طرحهم] لا زال بإمكانك إيجاد قيمة لوجودك، بتكوين الصداقات والتعرف على الآخرين، أو مساعدة المحتاجين، أو الإنغماس في الأعمال الروتينية، لماذا الأعمال الروتينية؟ لأنها ببساطة تلهيك عن التفكير في ذلك الكوكب الذي سيسقط على رأسك بعد شهر من الآن، حتى أنهم سمّوه ب(الإلهاء) لهذا يمكنك أن تعمل بجد في هذه الشركة وستستطيع أن تتناسى كل شيء آخر.

لماذا يبدو على وجهك الصدمة؟ هل لأني قلت أنه بقي شهر؟ لا تقلق بإمكانك تجربة أي شيء تريد تجربته في هذا الوقت، ربما تجرب هواياتٍ جديدة، تزور أصدقائك القدامى، أو تسافر حول العالم، أوه لا اعذرني أظن بأن السفر حول العالم متأخر الآن بما أن الإصطدام بعد غد.

هيا لا تخف، انا متأكد بأنك وجدت الغاية من وجودك هنا بعد قضاء ٧ أشهر بأكملها في التفكير في ذلك، مهلاً لا تقل لي...أنت لم تفكر في ذلك حتى؟

يا رجل وضعك أسوء مما تخيلت، لكن بما أننا معاً لما لا نشاهد لحظة الإصطدام؟ أعني أنه ليست لديك الفرصة لترى حادثةً كهذه كل يوم أليس كذلك؟

مهلاً أنت تبكي؟ لا بد أنك تمزح معي، هل تظن أن بكائك بعد كل ما رأيته وسمعته سينقذك؟!

لقد كنت تمتلك كل هذا الوقت، ولم تفكر للحظة في إستحالة كون وجودك في هذا الكون عبثاً؟

هل كان يوجد شخص يتحكم بعقلك؟ أم كنت لا تستطيع السماع والرؤية؟ أم كنت تتعمد عدم السماع والرؤية؟

هناك شيء واحد انا متأكد منه، لن يمكنك معرفة متى يحين أجلك، ورغم كون هذا المسلسل ضاراً اكثر من كونه نافعاً إلا أنه جعلني أفكر بأن هناك صنفاً من الناس وإن عرف موعد بلوغه القبر، لن يحرك ساكناً ولن يعيد التفكير في أفعاله.

الحمد لله على نعمة الإسلام، أخيراً، إن أصبت فمن الله، وإن اخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.

إلى لقاء قريب.