إن مصطلح "المهزلة" كان مرتبطًا بمصطلح "الكوميديا" لفترة طويلة في تاريخ الفلسفة، ويأتي هذا جليًا في سلسلة "الكوميديا الإلهية" للشاعر دانتي ألجيري، لكني اليوم لست بصدد طرح خواطر فلسفية مبهمة الأصول، وإنما الخوض في ما أسميه "معادلة المهزلة" المثبتة علميًا.

في دراسة عن نسبة فئات الأشخاص العقلية في الـIQ كانت نسبة 2% تمثل الأشخاص الأعلى ذكاءً، بينما كانت النسبة الكاسحة للفئة متوسطة الذكاء، والواقع أن هذا الطرح العلمي يعرض الـ2% إلى الكثير من المتاعب التي يمكن ذكرها في تعداد نقطي:

  • الأشخاص ينجذبون بطبيعتهم إلى من يتوازى معهم في نفس الدرجة من الذكاء، مما يجعل الـ2% يعانون من عزلة اجتماعية، حتى أن باحثة اقترحت عمل برنامج تربوي خاص بالأطفال الأذكياء في هذه الفئة يرعاهم ويحميهم من العزلة الضارة والمشاكل النفسية.
  • الأشخاص الذين يمثلون 2% والأكثر ذكاءً هم أكثر إدراكًا لأنفسهم، وتثبت الدراسات أن الأشخاص الأذكى والأكثر إدراكًا لأنفسهم يصعب عليهم أن يثقوا في أنفسهم، أي أنهم يعانون من أزمة ثقة في الذات بسبب وعيهم الزائد، فهم كاشفين لعيوبهم وسقطاتهم جدًا

مرض

وإن كانت الكلمة تراجيدية بعض الشيء، لكني تأثرت جدًا بكتابات دوستويفسكي، الذي كتب في روايته "الإنسان الصرصار" عن شخص ذكي جدًا، لدرجة شعوره بأنه صرصار بين من هم أقل منه ذكاءً، ولقد كشفت الرواية كيف أنهم كانوا واثقين في أنفسهم، ومغرورين، وملتئمين ببعضهم، فيما كان هو دائم الحرج والتوتر والشعور بالدونية، حيث ظلوا يحتقرونه طوال الرواية، حتى أنه كتب في مذكراته "أقسم أيها السادة أن شدة الإدراك مرض، مرض حقيقي خطير".

معادلة المهزلة

الشق الأول من المعادلة

فإذ صار الأحمق أكثر ثقةً في ذاته، فإنه سيصبح أكثر قدرة على الحركة وأعلى صوتًا في القول وأكثر تأثيرًا على الغير لأن عباراته ستكون محملة بالطاقة، والحال أن الناس يستجيبون شعوريًا للطاقة التي قيلت بها الجملة قبل أن يستجيبون للفحوى المنطقية للجملة نفسها، فيما يُهمَّش الذكي وينصرف عنه الناس وعن ما يقول، فهذا القلِق المليء بالشك ليس جذابًا على أي حال، فهو ليس ضمن نطاقهم، وغير لائق لتكوين علاقة معه، أو لإسناد السلطات إليه (في شركة مثلًا)، حتى ينتزعها لنفسه بطريقة ما، كأن يؤسس هو شركته الخاصة كما فعل ستيف جوبز - الذي أعده ذكيًا جدًا - ومن أجل أن يحصل شخص كهذا على قدر كبير من الثقة في الذات والكاريزما، فسوف يبذل جهودًا كثيرة ليروض عقله هذا.

الشق الثاني من المعادلة

هي حكمة سمعتها من قبل "لا يصلح أن يكون ملك البلد إلا فيلسوفًا، والفلاسفة لا يبحثون عن المُلك"، فإن الأشخاص أصحاب التأثير القوي في العقل والإحساس الإنساني دائمًا ما كانوا يسيرون بين الناس، ولم يتلقوا الحفاوة الكبيرة ولا المهابة والتفخيم، فهم عاديون جدًا، منعزلون، ومختلفون، ركزوا على طرح الأفكار، ومضوا على ذلك حتى الموت، ولاح أن معظمهم لديه عالم مظلم كبير، كشوبنهاور وإسحق نيوتن ودوستويفسكي بالطبع.

وبهذه المعادلة نصبح داخل عالم أكثر المؤثرين فيه ليسوا هم الأكثر ذكاءً، أما أصحاب العقول الفذة فإما محمومين بالشكوك والقلق، وإما أنهم مطرودين ومهمشين، وإما أنهم غير مكترثين بما يحدث حولهم.

إذا أكملت القراءة حتى النهاية أخبرني: هل شعرت بالمهزلة من قبل؟