لو أن أحداً أخبرك بأن ورقة اليانصيب التي إشتريتها قد ربحت .. فهل ستصدقه ؟ .. إن تصديقك له سوف يتوقف علي سؤالين .. هل إشتريت فعلاً ورقة يانصيب؟ .. و هل ما إذا كنت تثق في محدثك ؟ .. فإن لم تكن قد إشتريتها فإن الخبر يكون كاذباً .. ماذا لو أنه لا يوجد ورق يانصيب أصلاً !! .. و إن لم يكن محدثك مصدراً لثقتك لكان الخبر كاذباً أيضاً .. المعني أن قبول الخبر يعتمد علي مدي معقولية الخبر و علي موثوقية المخبر .
و ما ينطبق علي الخبر ينطبق علي كل رواية تاريخية .. فهل من الممكن إذن تزييف التاريخ ؟ .. الإجابة بكل أسف نعم يمكن تزييف التاريخ .. بل إن التاريخ هو أكثر العلوم قبولاً للتزيف .
و كلما كانت الروايات التاريخية بعيدة زماناً كانت أكثر عرضة للتزييف .. و ليس بين أيدينا أبعد من تاريخ مصر القديمة .. و الذي إعتمد فيه المؤرخيين علي كتابين أحدهما كتاب هيرودوت و الكتاب الآخر لمؤرخ مصري أسمه مانيتون .. فأما هيرودوت - و الذي أطلق عليه شيشرون خطيب روما " أبو التاريخ " - فليس له مصداقية عند المؤرخين المصريين و قد إستبدلوا لقبه هذا بلقب آخر فأطلقوا عليه " أبو الأكاذيب" .. و أما مانيتون فقد حُرق كتابه في حريق مكتبة الإسكندرية و لم يصلنا منه إلا مقطتفات نقلها بعض المؤرخيين .. مثل يوسوفوس اليهودي .
و بالطبع كان هناك مصدراً آخر لتاريخ مصر القديمة .. و لكن هذا المصدر أيضاً لم يكن منزهاً عن النقد .. أعني بهذا المصدر ما تبقي من وثائق فرعونية و رسوم علي جدران المعابد و المقابر .. و تعتبر هذه المصادر مهمة في تكوين صورة قد تكون قريبة من حقيقة التاريخ الفرعوني .. و لكن هل وصلتنا هذه المصادر كاملة ؟ .. و هل سلمت من عوامل الزمن ؟ .. الإجابة بكل أسف لا .. فقد إمتدت لها أيدي اللصوص بالسرقة و التخريب علي مر ألاف السنين .. كذلك فإن الرسوم علي جدران المعابد قد تلفت و إنطمست بفعل الزمن .. ثم السؤال الأهم .. هل كُتبت هذه المصادر بأمانة و تجرد ؟ .. الإجابة أيضاً لا .. فإن المقولة الخالدة أن التاريخ يُكتب بأيدي المنتصرين تنطبق أيضاً علي التاريخ الفرعوني .. كما أن للعقيدة و الأفكار دوراً كبيراً في كتابة التاريخ .. و ما يؤيد هذا أنك لا تجد ذكراً لأنبياء مثل إدريس و يوسف و موسي في أي بردية أو رسماً علي جدار .. و هذا ما حدا بناقدي التوراة للقول بأن موسى و يوسف ما هم إلا شخصيات توراتية اسطورية .. فهل كان يوسف و الذي شغل منصب عزيز مصر .. أو موسي الذي تربي في بيت فرعون و كان سبباً في غرقه و غرق جيشه .. أقول هل كان هؤلاء الأنبياء من العامة بحيث لا يتم ذكرهم في أي وثيقة فرعونية .. أم أنها العقيدة الوثنية لمصر الفرعونية .
كذلك فإن تاريخ مصر القديمة مليء بالثغرات و الفجوات و في جزء كبير منه عبارة عن تفسيرات .. و قد خضعت هذه التفسيرات لعقائد و أفكار أصحابها .
التعليقات