عندما اِلتقى الزمان بـقديم الزمان, تراءى أمامهُما كان يا ما كان.

كشّر له قديم الزمان و قال ' هل ناديناك؟ '.

جاوبه كان يا ما كان بكلّ ثقة و اعتزاز ' و هل يمكن لـقديم الزمان أن يلتقي بـالزمان دون الكان يا ما كان! '.

تجاهل قديم الزمان كلام كان يا ما كان و التفت للـزمان و قال : ' ما رأيك أن نصالح الأزمان في ما بينها و أن نرجع الزمان إلى ما كان عليه في قديم الزمان '.

نظر إليه الزمان بتمعّن و قال ' و ما ترانا فاعلين بـكان ما كان في سالِف العصر و الأوان؟ '.

جاوبه قديم الزمان بلهفة دون أيّ تردّد ' فلنقتل ما فات و كان ومرّت عليه الأزمان و لنرمي بجثّته في حاوية النسيان '.

صرخ كان يا ما كان بأعلى صوته ' لماذا لا تبدأ بقتل ذاتك أيّه الظالِم؟ أنت بطبيعتك مقبور في مقبرة الزمان منذ سوالِف العهود و الأزمان. أتريد أن تستحيي نفسك على حساب غيرك أيّه المغرور؟ أتريد أن تغيّر عجلة الزمان و تشوّه ما سلفناه و عاهدناه منذ قديم الزمان أيّه المخرّب الفوضوي؟ أتريد أن تأخذ وقتك و غير وقتك أيّه الجاهل بخريطة الأوقات و الأزمان؟ '.

نظر الـزمان إلى قديم الزمان بتمعّن أكثر من المرّة الأولى, باحثا في ملامحه عن أيّ أثر للتغيير, طامعا أن يكون الزمان قد حسّن فيه ولو القليل, ثمّ قال 'إنّي أرى في كلام كان يا ما كان الكثير من المنطق. فما منطقك الذي ستقنع به عالَـمَ الأزمان؟ و بأي منطق تحكم بالإعدام على غيرك؟ '.

صرخ قديم الزمان و قال 'وبأيّ منطق حكمتم عليّا بالإعدام؟ '.

سكت لوهلة تمالك فيها أعصابه و استرد هدوءه ثمّ أردف و قال ' قد يتراءى لنا كان يا ما كان بين الوهلة و الأخرى و لكنّه مجرّد سراب لم يعد له أيّ وجود في عالم المحسوسيّات. قد نتذكّره بين الفينة و الأخرى و لكنّه نسج من الخيال لم يعد له أيّ وجود في عالم الأزمان '.

قال له الزمان ' و هل من المنطقي أن نقتل من لم يعد كائن في أيّ مكان أو زمان؟ '.

هنا قهقه كان يا ما كان بصوت عال تردّد صداه في كلّ الأزمان من قديم الزمان إلى هذا الزمان وقال ' لقد ناقضت نفسك بنفسك أيّه الجاهل. لو لا ما كان لما كان لك وجود في عالم الأزمان أيّه الجاحد. إنّ وجودك مرتبط بوجود ما كان و لو لا وجود كان يا ما كان لما قلنا في قديم الزمان. ما كان كان وستبقى ذكراه عالِقة في الأذهان في كلّ زمان و مكان '.

تجاهله قديم الزمان مرّة أخرى و التفت للزمان و قال ' قد أكون أسأت التعبير. أنا لا أقصد قتله فهو غير موجود بالأساس. قصدت لو نمحي كلّ آثار كان يا ما كان من خريطة الذكريات, ستتشابه بذلك الأزمان و يتصالح الزمان بقديم الزمان و يختفي أيّ أثر للخلاف و الاختلاف '.

نظر له الزمان بصمت و ابتسم و همّ بالانصراف.

صرخ قديم الزمان بعلو صوته ' إلى أين أيّها الزمان لن أسمح لك أن تكرّر ما فعلته منذ قديم الزمان. لن أسمح لك في هذا الزمان أن تمضي لوحدك عبر ثنايا الأزمان. لن أسمح لك أن تقتلني من جديد و تدفنني في مقبرة الكان ما كان. لن أسمح لك أن تحكم عليا بالجمود لكي لا اصطحبك في رحلة الأزمان. أيّه الأناني, أتريد أن تستمر بمفردك في كلّ الأزمان؟ '.

ضحك الزمان على سخافة قديم الزمان الذّي يعتقد أنّه قادر على إيقاف حركة الزمان و قال ' لست أنا من حكمْت عليك بعدم الاستمرار. أنت من لففت نفسك بحبل من الجمود وفضلت أن تبقى لوحدك في قارعة الأزمان و خفت أن تسير مع التيّار وتمتطي طرقات الزمان بوُعُورَتِها و نُعُومَتِها.أردت أن تقبع رهين الكان ما كان و أسير الذكريات. أنت من اختار أن يقبع في كونية النسيان قد تخطر بالأذهان في إحدى الأوقات و قد لا تخطر لأزمان و أزمان. لو خرجت من ذاتك القديمة و غيّرت منها لأصبحت زمان من بين الأزمان شأنك شأنهم. لو جابهت نسق الأوقات لكان لك شأن الآن بين الأزمان. على كلّ الأحوال سيكون لك مكان في مخيّلة الأزمان, سنتذكرك بحُلْوِك و مُرِّك و نقول كان يا ما كان قديم الزمان. لن نمحوك من مجلّد الذكريات ولكن لا تطمح لأكثر من ذلك فلقد داهمك الوقت و فات الأوان و لم يعد لك مكان في هذا الآن و لم يعد يليق بك إلّا قديم الزمان '