" الأطفال بين الملكية والاستقلال "
لطالما شكّلت علاقة الوالدين بأطفالهم إحدى أكثر العلاقات الإنسانية تعقيدًا وتأثيرًا. ففي مجتمعات كثيرة، يُنظر إلى الطفل بوصفه "ملكًا" لوالديه، وهو تصور يتغلغل في الخطاب اليومي: "ابني أفعل به ما أشاء"، أو "أنا أعرف مصلحته أكثر منه". هذا التصور، رغم جذوره الاجتماعية والثقافية والدينية، يُخالف في جوهره ما تؤكده الدراسات النفسية الحديثة حول النمو، والاستقلالية، وتشكّل الهوية.
فهل الطفل هو "ملك" لوالديه ؟ أم أنه كائن مستقل ينبغي احترام إرادته؟
من منظور علم النفس التنموي، يُولد الطفل ككائن مستقل بيولوجيًا ونفسيًا، وإن كان غير قادر على تدبير شؤونه في البداية. تشير أبحاث جون بولبي حول نظرية التعلق إلى أن الطفل يحتاج في سنواته الأولى إلى رابط آمن مع مقدم الرعاية، لكنه في ذات الوقت يبدأ تدريجيًا، ومنذ عمر السنتين، بمحاولات أولية لفصل نفسه عن الكبار وبناء "ذات" مستقلة. هذا التوازن بين الاعتماد والاستقلال هو ما يصوغ شخصية الطفل لاحقًا.
التعامل مع الطفل باعتباره "ملكية" يُخالف مبادئ التربية السليمة، ويدفع إلى أنماط تربوية تسلطية (Authoritarian Parenting)، حيث تُستخدم السيطرة والخضوع بدل التواصل والاحترام. وقد أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Child Psychology and Psychiatry أن الأطفال الذين يُربّون تحت أنظمة أبوية استحواذية أو متملِّكة، يظهرون معدلات أعلى من القلق، ضعف احترام الذات، واضطرابات الهوية في مرحلة المراهقة والبلوغ.
في المقابل، يعزز أسلوب التربية القائم على الاحترام المتبادل والحدود الواضحة (Authoritative Parenting) من شعور الطفل بالكفاءة، ويغذّي لديه الإحساس بالمسؤولية والاستقلال العاطفي والفكري. فاعتراف الأهل باستقلال الطفل لا يعني التخلي عن توجيهه، بل مرافقته خلال مراحل تطوره، والتمييز بين ما يمكن أن يُفرض (كالقيم والحدود)، وما ينبغي أن يُحترم (كالرغبات والمشاعر والتفضيلات).
من الناحية القانونية، يُعتبر الطفل قاصرًا تحت وصاية والديه، وهذا يمنحهما سلطة قانونية محددة بحدود رعايته لا تملّكه. وقد بدأت بعض التشريعات الحديثة – خاصة في الدول الإسكندنافية – بوضع قوانين تحمي "حقوق الطفل في الاستقلال النفسي والجسدي"، وتُجرّم الأذى النفسي الناتج عن الهيمنة الأبوية...
خلاصة القول إن تربية طفل مستقل يبدأ من إدراك حقيقة جوهرية: أنك لا تملك طفلك، بل ترافقه في رحلة نموه، ثم تتركه يمضي في طريقه، حرًا... كما يجب أن يكون...
آرائكم !؟
التعليقات