النرجسية والاختلال العقلي، مصطلحان يتم تداولهما بيينا، ولكن ما هو الفرق الحقيقي بين تلك الاضطرابات ولا سيما أننا نشعر بأن هناك تشابه بين الأمرين؟
كيف تفرق بين النرجسي والمختل العقلي؟
اضطراب النرجسية هو شعور الشخص بالعظمة وأهمية الذات بشكل غير واقعي, فهو يبالغ في نظرته لذاته ومواهبه وإنجازاته ويراها فوق إنجازات الجميع, يحب سماع المديح لذا يسعى لإبهاره من حوله طول الوقت, وبسبب هذا التقييم المبالغ فيه للذات فهو يعاني من ضعف بالتعاطف مع الآخرين, وهذا بدوره يؤدي به للجوء لاستغلالهم وخداعهم من أجل مصالحه لأنه أهم منهم بالنسبة له, يعاني أيضا من مشاعر الحسد الشديد لأنه يرغب بأن يكون الأفضل ويقلل ويحتقر الناس بغرض الرفع من قيمته هو, تنتابه نوبات غضب مدمرة إذا ما لم تسر الأمور على النحو الذي يرغب فيه, وقد يظهر عليه الغضب والعصبية الشديدة أثناء النقاشات الهامشية التي تخطّئ رأيه, أما سخرية الآخرين منه فتصيبه في مقتل حتى لو كانت مزاحا.
النرجسي في الأصل يعاني داخليا في أعماقه من مشاعر بالدونية وضعف الشخصية لذا هو يحاول تغطية مشاعره هذه بالرفع المبالغ فيه من أهميته والتقليل من قيمة الآخرين.
الآن ما سميته المختل العقلي وأظنك تقصد المعتل النفسي أو السايكوباثي إن لم أكن مخطئا, فهو الاضطراب الذي يشبه النرجسي في بعض سماته.
المعتل النفسي أو السايكوباثي من جهة أخرى يعاني من العجرفة وحب الذات أيضا ولكنها ليست بالشكل الذي لدى صاحب اضطراب النرجسية الذي نرجسيته تكون غطاء لمشاعر النقص والدونية بقرارات نفسه والمحاولات المستمرة لإتباث الذات للآخرين وحصد المديح, فالمعتل النفسي لا تؤثر على نفسه آراء الآخرين وحبه لذاته نابع من عدم اهتمامه بهم, وفي حين يعاني النرجسي من ضعف التعاطف إلا أنه يعي جيدا بمعاناة الآخرين ويملك عواطف كما جميع البشر, فقد يشعر بالذنب من بعض أفعاله أو بالأسى لما يحصل لمن حوله, أما المعتل النفسي لا يتعاطف مطلقا أو نادرا, فهو عكس النرجسي يستمتع برؤية الآخرين يتعذبون وقد يقدم على تعذيب الحيوانات ويقوم بتحميل فيديوهات تعذيب بشر, أو مشاهد قتل وحرق لمتعته, عكس النرجسي الذي لن يستمتع بهكذا مشاهد أو ممارسات...
بالإضافة لعدم التعاطف فإن المعتل النفسي غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ مجتمعيا ولا يملك حسا أخلاقيا, فهو قد يقدم على شتى أنواع المخالفات الاجتماعية والأخلاقية إن كانت لصالحه أو لمتعته, والقاعدة بالنسبة له هو أن لا يتم ضبطه, في حين فإن للنرجسي حسا بالصواب والخطأ مثلنا جميعا ولكنه قد يلجأ للتلاعب أحيانا أكثر من الآخرين بسبب إعطاء نفسه قيمة أكبر من حجمها معللا فعله بأن الجميع يفعل ذلك, أي أنه يمارس آلية دفاع نفسي, أما المعتل فلا يمارس آليات الدفاع النفسي بل سيسألك لماذا لا أفعل ذلك؟ لماذا لا أغتصب امرأة جميلة ما المانع؟ لماذا لا أسرق؟ كما أنه لا يتعلم من أخطائه مطلقا وغير قادر على التخطيط للمدى البعيد فهو غرائزي بشكل كبير, قد تضرب الأم الطفل السيكوباثي يوميا كي لا يكسر الأغراض دون فائدة, فهو سيتعلم فقط أن عليه فعل ذلك دون أن تراه أمه ولن يتعلم أن عليه عدم تكسير الأغراض.
النرجسية مرض نفسي لا يؤثر على كيمياء المخ أو وظائفه أو تعاملات الانسان مع من حوله (مع أنه شخص مؤذي ولكن دائما يراه من حوله دائرة المعارف ليس المقربين في صورة الملاك) ولتوضيح يمكنك قراءة أحببت وغدا، أبي الذي أكره للتعرف على طرق ايذائه للأشخاص مع الحفاظ على صورة جيدة عند آخرين
أما المختل العقلي هو مرحلة متقدمة من المرض النفسي حيث يتحول إلى خلل في كيمياء المخ مثل الاكتئاب أو جنون العظمة أو الذُهان حيث تجد بعض الأفعال الغريبة منه يفعلها بدافع أنها مبهجة بالمعنى الحرفي (حيث يزيد انتاج الدوبامين وقت فعلها)
ويقع التشابه بينهم في الأغلب في أن النرجسي يزداد الدوبامين عندما يمدحه الناس ولكن الاختلاف في أنه مسيطر تماما على أفعاله وأن إيذائه للناس يأتي كنتيجة فرعية لضمان بقاء مدحهم له وليست أساسا كما أنه يمكن علاج النرجسية دون اللجوء للأدوية أما في حالة الخلل العقلي فهذا غير ممكن.
التعليقات