الكثير من الفنانين سواء بالمنطقة العربية أو الغربية يقولون دائماً بأنّ الفن لا يُعلّم، لا يمكن تعليم الفن، أتسائل كثيراً حين أسمع هذه العبارة عن أمر في غاية الأهمية برأيي، إذا كان الفنّ فعلاً لا يُعلّم، فما وظيفة كل تلك الكليّات التي تدرّس الفنون؟
يقول الفنانين أن الفن لا يعلم، إذاً ما وظيفة كليات الفنون؟
تساؤل ممتاز ضياء.
لدي طرحٌ، أرجو أن يحل لك تلك الإشكالية. الفن لا يُعلم، لا يٌقصد بالفن هنا أن أُعلمك كيف تمثل أو كيف تلعب بيانو أو كيف ترسم أو كيف تنحت. لا، ليس المقصود كذلك، وإنما المقصود هو "الإبداع"، فأنت يمكنك تعلم الرسم: كيف تمسك الفرشاة، النسب التشريحية للوجه والجسم، كيف تمزج الألوان...إلخ، لكن لا يمكنك خلق لوحات باهرة، كذلك إن كنت مبدعاً، فلن تستطيع أن تعلم أحداً تلك الإبداع؛ لأنه ببساطة ليس له قواعد تضبطه.
تحياتي لك عزيزي ضياء.
لذلك جعلت هذه الكليات خصّيصا لترافق الطلبة الراغبين في الولوج لعالم الفن والإبداع.
الفن قد لا يُعلم لكنه في الحقيقة أيضا لا يورّث وليس مجرد موهبة فطرية! قد تكون كذلك لكنها على العموم هي مكتسبة..
يمكن أن تساهم هاته الكليات في خلق روح الإبداع والإبتكار لدى الطلبة قد يكونون مبدعين من دونها وقد يصبحوا مبدعين بعد دخولهم وتعلمهم أساسيات تلك الفنون والتدرب المستمر ومخالطة الفنانين والمبدعين.
بمعنى أنّ الأمر لا يغدو أكثر من تعلّم لأساسيات فقط لكي يمسك الشخص المهتم بالرسم مثلاً المسار الذي يجب أن يمشي فيه في مهنته، وبما أن الأمر أساسيات وفقط كم ألوم بأنّ هذه المؤسسات عادةً ما تضيع أوقات الطلّاب بكثير الفصول، سنتين وأكثر، معظمهم أربعة، وهذا الأمر يمكن أن يكون بكل بساطة فقط سنة لتعلم الأساسيات، هذا مثلاً ما يحققه معهد خاص بجانب منزلي مشهور، خرّج فنانين كثر، وبمنهاج من سنة واحدة!
لمختلف الفنون جانب تقني علمي محض يمكن دراسته وتعلمه, لن تستطيع العزف إذا لم تدرس في معهد للموسيقى القواعد الموسيقية, ماكان ليستطيع بيتهوفن عزف أو تلحين شيء لو لم يتتلمذ على يد الأساتذة الموسيقيين بذلك العصر, لقد كان له عدة أساتذة, ولكن لا أحد يذكر أساتذته لأنهم لم يشتهروا بموهبتهم وبموسيقاهم, لهذا فالجانب الابداعي هو الذي يلعب دورا في بلورة العمل الفني, الأمر لا يختلف عن بقية العلوم! فهناك ملايين الأساتذة حول العالم لمختلف المجالات ولكن قلة قليلة تلك التي لها اختراعات واستكشافات, ما كان لأي عالم أو مخترع أن يخترع أو يستكشف شيئا دون دراسة المجال.
لقد كان له عدة أساتذة, ولكن لا أحد يذكر أساتذته لأنهم لم يشتهروا بموهبتهم..
لعل ذلك يرجع لإهتمام أساتذته بالشق التقني أكثر من الإبداعي، والذي أولاه بيتهوڤن إهتمامه الأكبر..
ويحضرني هنا مثال لا أعلم مدى قربه من المجال الفني، لكنه يوضح أهمية التعلم للشخص الموهوب وغير الموهوب كذلك.. فكثيرا ما نسمع عن لاعب كرة بأنه موهوب، ونسمع عن لاعب آخر أنه مصنوع لكنه مجتهد واهتم بالتعلم المستمر ويبذل جهدا مضاعفا لتطوير نفسه على الدوام حتى صار نجما مشهورا.. أما ذلك اللاعب الموهوب فلم تكفيه موهبته وحدها ليصبح نجما، لأنه إستخدمها بعشوائية ولم يحاول تعلم طرق إدارة وتوظيف مهاراته!
لكن إذا ما اجتمعت الموهبة والعلم لدى ذلك اللاعب، فسيصبح بلا شك علامة بارزة بتاريخ تلك اللعبة..
ما كان لأي عالم أو مخترع أن يخترع أو يستكشف شيئا دون دراسة المجال
علماء قلبوا عالمنا رأساً على عقب لم يتخصصوا او يدرسوا أي مجال، علماء غيّروا نظرتنا لكل شيء تقريباً أوّلهم داروين الذي أبوه قال له بالحرف: أنت فاشل. لمجرّد أنه كان لا يستطيع التأقلم مع أي جامعة ويحب جمع الحشرات. وأديسون أيضاً الذي أُخرج من الجامعة بعامه الثاني، وكثير أيضاً من الأدباء. ربما باعتقادي أن هناك مبالغة في أهمية هذه الكليات، وإن كانت مهمة فعلاً بالأساسيات فنحن بكل تأكيد نبالغ بعدد السنوات التي نأخذها بالدراسة.
باعتقادي أن هناك مبالغة في أهمية هذه الكليات
من أتى بسيرة الكليات؟ بيتهوفن لم يدرس الموسيقى بالكونسيرفاتوار بل على يد أساتذة, يمكنك تعلم الموسيقى أو الرسم بمفردك دون كليات فنون, ولكن لابد أن تتعلم وتدرس المجال, العبرة في التعلم وليس في ولوج الكليات والمعاهد.
لم يتنزل الوحي على داروين بنظرية التطور! كما نعلم جميعا فداروين ليس نبيا, داروين درس الطب سنتين ثم تخلى عن ذلك ليدرس البيولوجيا وتاريخ الكائنات باحدى المنظمات وكان ملازما لعالم أحياء بحرية, وقام أستاذ بترشيحه لرحلة علمية, وساعده أربعة جامعيين في بلورة بحثه...
أما أديسون فلم يدخل الجامعة أصلا كي يخرج منها, بل خرج من المدرسة, ووالدته من درسته بالبيت وخرج للعمل صبيا والتقى في حياته بأناس قدموا له العلوم, أهمهم المهندس والمخترع بوب, لما التقى بوب ايديسون الشاب ورأى أنه يحب التجريب قام بتأطيره وفيما بعد أنشآ شركة معا, وما كان إيديسون لينجز شيئا لولا تأطير المهندس بوب له.
دعنا من خرافات المخترع الذي طور الاختراعات بمفرده في قبو منزله, أو العالم الذي استكشف الجاذبية بعد سقوط تفاحة فوق رأسه.
أبوه قال له بالحرف: أنت فاشل.
هذا ما يردده 99% من الآباء, سمعنا هذه الرواية الدرامية تتردد في حياة نصف العلماء.
معظمنا يتشارك في المحتوى التعليمى الذي نتعلمه ولكن ننظر إليه بصور مختلفة طبقا لثقافتنا ومدي تأثيره فينا فبعضنا يرا الارض الخضراء في وقت الغروب مع المياه الجارية شيء عادي وأخرون يرون انه شئ ترفهيا ويدفعون المبالغ ليرون مثل هذه المناظر الطبيعية فمثل هذه المواقف توضح لك فكرة أن الفن لا يعلم فإذا لم نكن نشعر من داخلنا بقيمة وجمل الشىء والإبداع والتامل فيه لن يؤثر فينا مهما قيل لنا من الخارج انه شيء جميل فالكليات تدرس القواعد التى توصل لها من سبقنا ولكن لا تدرس الإبداع لاستخدام تلك القواعد وإخراج منتج جديد
تثير اهتمامي جملة حضرتك حين قلت بأن الكليات ومهمّتها هي تدريس القواعد، وهنا أسأل حضرتك سؤال، الفن يُسمّى فناً لأنه لا يشابه الصبغة التي تحكم العلم والعلوم، في أنه غير قابل للقياس والحكم بمجموعة من القواعد، الفن متفلّت منها، هذا بتعبير الكثير من الفنانين، خاصة عندما يقولون بأن الفن لا يُعلّم بل يوهب، إذاً ما طبيعة تلك القواعد التي توجد في الكليات؟ وجودها يجعل الفن علماً برأيي
كل شيئ في حياة الإنسان يبدا بمجموعة من القواعد فمثلا سنتكلم عن تصميم الجرافك على سبيل المثال عندما ابدا في تعلمه نمر بعده مراح أولها نبدا بانواع الالوان والتوافق بينها والتباين وغيرها من القواعد الاساسية للتصميم الجيد التى تأخد في الإعتبار أليس ذلك علما ثم ننتقل للمرحله الثانية وهي محاولة تطبيق تلك القواعد مع تغذية العقل بتصميم عاليه الجودة وتقليد أعمال سابقة إذا كان الفنان سيعمل في مجال اتصميم على سبيل المثال بعد محاولا من الخطاء والصواب يبدا العقل ينتج أفكار جديد وتصميم جديد ومبتكره من هنا يبدا يظهر الفن الذي لا تحكمة القواعد احيانا تجد احدهم اخرج تصميم لم يسبق لها مثيل هو لم يدرك كيف اخرجه وماهي الخطوات التى اتخذها لإخراجه لانها صار فنان يستوحى افكارة من الخيال ويطبقها
فالافكار ثلاثة أنواع
- معلومة يستقبلها العقل من الخارج : مثل تعلم قواعد التصميم
- وحقائق كونية يصل إليها العقل : زي إن RGB يقدروا يعملوا اي لون موجود
- منتجات عقليه : وهو مايبنتجه العقل بعد تغذيتة بهذه وتلك التى تم تغذيته بهما مسبقا ليصير فنان
في حياتي كلها لم أقرأ أو أسمع مثل تلك المقولة من أي فنان.. ولكن قرأت وسمعت عن أن الموهبة لا تعلم فالموهبة هي منحة وهبة وكل شخص في هذه الأرض يمتلك موهبة بشكل من الأشكال ولنناقش الآن مشكلة التلقين والتعلم فمثلا المخرج المصري يوسف شاهين وهو يمتلك موهبة الإخراج السينمائي وتوجه للدراسة الأكاديمية من أجل ماذا؟ بالتأكيد لثقل موهبته وليتعلم كيفية استخدام الكاميرات بشكل أكاديمي فلا يمكنك فقط أن تمسك الكاميرا وتصنع فيلما؟ ولو كان الأمر بهذه البساطة لكنا جميعا الآن مخرجين ومصورين محترفين إذا أنت تحتاج للدراسة الأكاديمية بجانب ما تمتلكه من موهبة فبدون التعلم من الصعب أن تصنع شيئا، أما يوسف شاهين على الناحية الفنية للتعامل مع الممثلين فكان دائما يقع في مشكلة التلقين وهي أنه يريد أن يجعل الممثلين أن يفعلوا ويتحدثوا مثلما يفعل وهذا ما جعل الكثير من الممثلين في أفلامه يظهرون بمظهر غريب وهذا خطئ فادح لم يتسطع يوسف شاهين تجنبه رغم أنه يمتلك من المعرفة الإخراجية الكثير وهنا نرجع لمقولتك هل الفن يعلم فبالتأكيد لا.
فما وظيفة كل تلك الكليّات التي تدرّس الفنون؟
وظيفة كليات الفنون هي حلقة الوصل ما بين الموهوب وبين تعليمه كيفية استخدام الأدوات المنوطة بموهبته فالرسام لو كان موهوبا مثل فان جوخ مثلا لابد أن يكون تعلم من شخصا ما وفي هذه الحالة كانت والدته لأنها كانت ترسم كثيرا وتعلم منها بطرق مباشرة وغير مباشرة إذن فالأم هنا حلت محل كليات الفنون وكذا لو تتبعت خطى كل فنان مبدع ستجد انه تعلم بطريقة ما.
وتوجه للدراسة الأكاديمية من أجل ماذا؟
باعتقادي أن يوسف شاهين بالذات اختار الجامعة لإنه يريد أن يرتبط بعلاقات مع الناس المنخرطين بالصناعة، لماذا أقول ذلك؟ ىإن يوسف شاهين هو من أكثر المخرجين العرب تشبيكاً مع الممولين وصناع السينما من داخل البلد وأيضاً الكثير من خارجه، لديه فيلم ممول فرنسياً، والكثير من الشراكات الأوروبية الأخرى، مخرج بوزنه وبذكائه لا بد أن يكون مهتماً بتحصيل علاقات ليكمل عمله الإبراعي
لنقاش هذه المقولة لابد أن نعرف أولًا ما هو الفن؟
الفن هو إثارة المشاعر وصناعة الجمال، وبهذا التعريف الذي نقلته من معجم المعاني لتوي نستطيع أن نقول أن الفن بالفعل لا يتم تعليمه، وإنما يتم إلهامه.
يمكن أن تعلم الطفل مبادئ العزف على الناي.
لكن لا يمكنك تعليمه كيف يبكي الحاضرين بنايه.
يمكنك أن تعلم إنسان كيف يخرج فيلمًا.
لكنك يستحيل أن تعلمه كيف يصنع سينما.
الفن يتم إلهامه، أجل، أما كليات الفنون فهي تعلمك كيف تستخدم أدوات الفن فقط.
مصطلح صناعة الجمال لدي عليه تحفظات كثيرة في الحقيقة، لإنّ كلمة صناعة لا يمكن أن تقال برأيي إلا ولو كان هذا الانتاج قائماً على تكاتف اجتماعي لانتاجه، هنا تبرز كلمة صناعة بجماعيّتها.
أما عند الفردية، يجب أن نكتفي بأن نقول انتاج فردي، انتاج جمالي فردي ليس إلا.
التعليقات