من مِنّا لم يسمع بهذه المقولة، منذ صغري كنت أكتبها على لوح صفي كحكمة، لكن عندما كبرت وجلست أفكر بيني وبين نفسي، بدأ الشك ينتابني في صحتها. وأتساءل هنا، هل حقًا كل من جسمه عليل ولديه مشاكل صحية، يعني أن عقله غير سليم. وإن كان كذلك، فلماذا نرى ستيفن هوكينغ عالم الفيزياء الشخص الضعيف البنية والذي يعاني من عدة أمراض، أبرزها مرض التصلب الجانبي الضموري، عقله سليم مبدع وعبقري عصره؟! أم أنني فهمت المقولة بشكل خاطيء؟
"العقل السليم في الجسم السليم"، هل حقًا هي واقعية؟
من الناحية العلمية المقولة مدعمة.
بالسنة ل ستيفن هوكينغ هو مبدع بالفعل وعبقري لكن نقد المقولة بالاستشهاد به هو مغالطة منطقية مركبة:
- Confirmation Bias مغالطة تأكيد التحيز، قد يكون هو الاستثناء بالمقارنة مع غيره من المصابين بهذه الامراض. يا ترى كيف كان ليبدع (أكثر) لو لم يكن مصابا بعدة أمراض مزمنة.
- Availability Error مغالطة التوفر المعرفي. معرفتنا في معناة المرضى محدودة. التوسع في ذلك يقدم معلومات تصب في تأكيد آثار اعتلال الجسد على العقل.
النوم: كم هي الدراسات التي تقدم دليل علمي على أهمية النوم في الصحة العقلية (الذاكرة، التفكير، اتخاذ القرارات، التوازن العاطفي، المناعة من الامراض والشفاء. اذكر كتاب ماثيو ووكر (لماذا ننام) الذي تناول الموضوع باسلوب واضح، سلسل. تتجلى الآثار عند الاشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على قدر كافي من النوم من حيث عدد ساعات النوم وجودة النوم. كالاشخاص الذين يعانون من الارق، تناول الادوية مدرة للبول يؤدي لاستيقاظ متكرر مما يؤثر على دورة النوم الطبيعية.
الآلام المزمنة، كمثال مباشر عن الصحة الجسدية. من اسباب الآلام المزمنة، طريقة الجلوس غير الصحيحة بما يؤثر على صحة الجهاز العضلي الهيكلي. هنالك دراسات تجمع على العلاقة المترابطة بين الآلام المزمنة وتأثر القدرة العقلية سلبا (الذاكرة) . اشير للدراسات التالية:
غالبا ما تستخدم هذه المقولة للحث على الإهتمام بالصحة الجسمانية، سواء بممارسة الأنشطة الرياضية ،أو بتناول الأطعمة الصحية.. وذلك للربط ما بين الصحة العقلية والجسمانية.
فمثلا قد يهمل بعض الأشخاص الطعام أثناء إنشغالهم بنشاط عقلي ما، كالمذاكرة أو القيام بأعمال مهمة، وعندها توجه لهم هذه النصيحة؛ بمعنى إذا أردتم الحفاظ على سلامة وقوة عقلكم لتتمكنوا من إتمام هذا العمل، فعليكم بالحفاظ على سلامة جسدكم وعدم إهمال متطلباته من طعام ورياضة وما إلى ذلك... فالمقولة تحفيزية أكثر من كونها تحمل معنى صحيح من الناحية المنطقية.
لا أضع المقولة في هذا السياق، وإنما أرى أن بعدها توعوي بسيط للغاية، حيث أنه يمثّل النصايحة المستمرة بأن حالتنا الجسدية تؤثر على حالتنا العقلية. وبما أن القاعدة بالتأكيد لا تسري على كل الأشخاص لبساطتها، فيمكننا أن نضعها في تصوّر آخر من الحسبان، فمثلًا يمكننا الاستناد إلى أن العمل المستمر على تحسين حالتنا الجسدية من جهة النوم والطعام والصحي مثلا وعدم الإفراط في تناول الأغذية المضرة يؤدي بالتأكيد إلى رفع معدلات التركيز والصفاء الذهني. أرى أن ذلك قد يكون سياقًا أفضل للجملة.
انها حكمة رائعة تعني أنه إذا كنت مفكرًا إيجابيًا فأنت شخص سليم. وفي كل مرة حاول التفكير بشكل إيجابي حتى لو كان هناك شيء سلبي يجب التفكير فيه ، فكل حجة لها جانب سلبي ولكن الحجة ستسبب مشكلة أقل إذا فكرت وتحدثت بشكل إيجابي.
أنت شخص يتمتع بصحة جيدة إذا ابتعدت عن السلبية وفعلت إيجابية. ستكون شخصًا محترمًا إذا كنت شخصًا إيجابيًا. عقلك هو سيد طفلك ، لذلك إذا كان عقلك إيجابيًا دائمًا ، فسيكون جسمك سعيدًا وبصحة جيدة.
والملخص: كن بصحة جيدة وكن سعيدا. وهذا ما ينطبق على ستيفن هوكينغ عالم الفيزياء الشخص الضعيف البنية.
لا شك في أن الإنسان كلما كان صحيحاً على المستوى المتعلق بالصحة البدنية، كلما أدى ذلك لنشأة بيئة خصبة للتفكير السليم والعقل القوي، فلا يختلف أحد على أن الصحة تمنح العقل فرصة كبيرة على الإبداع والتفكير البناء، ونشير أيضاً إلى أن ممارسة الرياضة بالإضافة إلى كونها تقوي البدن، فهي تحسن من العمليات الذهنية التي تتم داخل العقل من خلال إفراز الهرمونات التي تحسن من عملية التفكير وزيادة الذاكرة، وفكرة أن يوجد أحد الأشخاص الذين لديهم مشاكل بدنية وتكون عقولهم عبقرية فهذا الأمر يتعلق بقوة إرادتهم وعدم استسلامهم للظروف، فكما أن الصحة تعتبر عاملاً محفزاً لقوة العقل فالمشاكل البدنية لا تمثل عقبة كبرى للأشخاص الأذكياء.
التعليقات