اعلموا يا إخوتي أن حقوق نشر التسجيلات كُلِّها مبذولة لكم من غير استئذان ولا عزو، فمن أراد إعادة رفعها في أي مكان فله ذلك وجزاه اللهُ خيرًا.

يضعُ خالد الحمدان هذه العبارة على حساب صفحة قناة "مداك العروس" في تويتر، ويذيّل بها وصف الفيديوات التي ينشرها، والتي تكون في الأدب واللغة.

حين تفتح "مداك العروس" تجدُ رائحة الطِيب متناثرة الأرجاء، فتارة تسجيل لقصيدة الأعشى "أتهجرُ غانية أم تلِم" وأخرى للعباس بن الأحنف يقول فيها: "وما يُرى في وصالِ اثنين قد شُغفا .. ما لم يميلا إلى الفحشاءِ من عارِ"

مداك العروس لا تقتصر على تسجيلات القصائد، فهي تتنوّع بين تسجيل المقامات والكتب الأدبية العريقة (إنّه يُسجّل كتاب الفصيح لثعلب!) وبعض الروايات، يأسرني المحتوى المُقدَّم هناك، وهو على ما هو من جودة الالقاء والصور، يمرُّ بمراحل بسيطة يسيرة.

بدايةً أختار النصّ الذي أريد تسجيله، أكان سلسلةً في تسجيل كتاب صوتيّ، أو نص طرأ في بالي أن أسجله في وقته.
والتحضير يسير، أضع الكتاب على حامل الكتب وأبدأ التسجيل، وفي كلِّ خطأ أنتبه إليه أعيد حيث أجد فراغًا بين كلامَين فأعيد تسجيل ما بعد الفراغ، وبسبب الأخطاء والإنتاج ربما يأخذ مني العمل على مقطع واحد ساعتين ونصف.

هذه الطريقة تُمكّن خالدًا أن يستمرَّ في وضع المحتوى بصورة مُستمرّة، فقد عبّر لي عن خشيته من أن تزيد الخطوات صعوبة، فتنفر نفسه من الانتاج، خصوصًا أنَّ الأمر كلّه يفعله بنفسه

جودة الإنتاج في القناة على الحد المقبول والدرجة الدُنيا؛ لذلك لا توجد تحديات والحمد لله، وذلك كما أسلفتُ أن نفسي ملولة، فلو وجد رُبع تحدٍّ تركت الأمر كله.
حقيقةً في القناة أداري نفسي المَلولة كثيرًا خشيةً التوقّف، فتجدني لا أمنتج بعض المقاطع، أرسلها هكذا على عواهنها، لذلك لا أضع مشاريع مستقبلية، إذا كانت سلسلة كتاب صوتي سجلته حتى نهايته من غير أن أنوي بعدَه شيئًا معينًا، وكأن هذا الكتاب هو آخر ما سأفعله، وبذلك تنشط نفسي، وفي المقاطع المُفردَة فهي تطرأ لي في وقت نشاطي للتسجيل، فحين أقرأ كتابًا وأجد قصيدةً أو مقالةً جميلة أريد أن يسمعها الناس سجلتها بحول الله وقوته.

نهج البساطة الذي يتّخذه خالد لا يعني أنَّ القناة ثابتة لا تتطوّر، فمعدّات التسجيل وأدوات المونتاج تطوّرت بمرور الأوقات

في البداية كنت أسجّل بالهاتف iPhone وسماعته، وأرفع مستوى الجودة من خلال الإعدادات، وكنت أُمنتج الكقطع ببرنامج iMovie وأكتفي بوضع صورة، وبعد ذلك صرت أستعمل مايكًا احترافيًا للتسجيل، وهذا ظاهر في صفاء الصوت، ببرنامج Audacity وهو مجانيّ، ثم أمنتج المقطع في برنامج Adobe premier، وما زلت أتعلم وأستزيد، والحمد لله رب العالمين.

كنتُ قد عرفتُ مرجع العنوان الذي يتّخده الحمدان لقناته، مداك العروس، والذي يعود لبيت امرئ القيس في المعلّقة، لكنِّي سألته عن سبب اختيار مداك العروس عنوانًا، فكشف لي عن ذوقه الرفيع:

نعم؛ أخذته من بيت امرئ القيس يصف حصانه:
كأنّ سراتَه لدىٰ البيت قائمًا ... مداك عروس أو صلاية حنظلِ

والمداك: الحجر الذي يسحق به الطيب وغيره، والدوك هو السحق، والصلاية هي الحجر الأملس الذي تُسحق عليه المُواد مثل الطِيب، فشبّه الشاعر انملاس ظهر فرسه واكتنازه باللحم، بالحجر الذي تسحق العروس عليه الطِيب وخص مداك العروس لحدثان عهدها بالسحق للطيب.

الاسم بهذا التركيب مألوف مُستلَذُّ على الأسماع، طيّب المعنى، فحسن في نفسي أن يكون عنوانًا لقناة في الأدب، وقال عبد الله بن سلِمة الغامدي:
فنزعتُه وكأنّ فجّ لبانِه ... وسواءَ جبهتِه مداكُ عَروسِ
يصف حصانه وهو مخضّب الصدر والجبهة بدماء الصيد.

خالد يضع هذا الجهد لأنّه يُحبّ العربية، وسألته عمّا إن كان يُفكر بربح على المدى الطويل، يُديم له نشر المحتوى

أنا شخصيًا لن أحبّ تقييد عملي في خدمة اللغة العربية بوجود العائد المادي، فإن عُدم توقفت، والحمد لله إنتاج الفيديو لا يُكلفني إلا جهد القراءة والتسجيل وهذا يذهب مع الاستمتاع.