سؤال مستفز ولا شك، يأتي على عكس الشهادات الإيجابية في الشعراء والقول بمنزلتهم الخاصة داخل المجتمع. حتى قيل عنهم: "الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنى شاءوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم". لكن صدقوني لست هنا في موضع الاستفزاز، وحتى لو فهمنا ذلك، فليس كل من يستفزك يكرهك. كما أني لست هنا على سبيل اللمز أو الطعن في الشعراء. لكن لنتمهل قليلا لنرى ما خلف السؤال، وما يحيط به.

ولعل من أقدم الإجابات إفادة الإمام الشافعي في كتابه "الأم". وفيه ناقش حالاتٍ على قاعدة: "الشعر كلام حَسَنه كحُسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام". في حين أشار البعض إلى أن الشعر لا يصلح إقرارا شرعيا لا لأن الشاعر صادق أو كاذب، بل لأن طبيعة الشعر وأسلوبه تجعل لغته بعيدة عن روح الإقرار الشرعي. بينما افترض آخرون أن الشاعر قد يقول اليوم قولا وينقضه غدا، وأنه يتبع انفعالاته وعواطفه التي لا تثبت على حال.

وهناك وجه آخر في القضية تضعنا في قلبه الآية الكريمة عن الشعراء: "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" التي قيل في تفسيرها معنى الزيادة في الكلام. ولتتضح الصورة أكثر دعونا نقف مع هذه القصة التي تناقلتها كتب السير والأدب. فقد روِي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل شاعرا. فَقال شعرا يصف فيه مشهدا شبيها بما يدور بالملاهي الليلية:

ألا هل أتى الحَسناء أن حليلـهـا ** بِمَيْـسَانَ يُسقـى فـي زجـاج وحَنْتَم

فإن كنتُ نَدْماني فبالأكبر اسقنـي ** ولا تسقـنــي بالأصغـــرِ المُتَثَــلِّـمِ

فبلغ ذلك عمر فكتب إلَيه رسالة أقاله فيها. فقال الشاعر: واللهِ ما كانَ من ذلك شيء، وما كان إلا فضْل شعر، وما شربتها قط، وقد قال اللَّه تعالى: "وأنَّهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ" فقال عمر: أمّا عذرك فَقَدْ أبعد عنك العقوبة ولكن لا تعمل لِي عملا أبدا. 

والسؤال الذي يدعو لمزيد من النقاش: إذا كان الشعراء يغلبهم شعورهم، وأنهم يتكلفون الكلام بالزيادة أو المبالغة، فهل يثير ذلك الشك في شهادتهم أمام المحاكم أو القضاء؟