نقرأ قصصاً من قلب التاريخ يكون الشعر هو اللاعب الأساسي فيها، والعنصر المؤثر على سير الأحداث و إحداث التغيير، فتجد هذه الأبيات المنمقة تدق طبول الحرب وترفع راية النصر تارة، وتراها تنتقل إلى إحداث تغيير أشمل على مستوى الذات الإنسانية تارة أخرى، وتغيير النفوس أحياناً يكون أصعب من تغيير الدول ! هذا ما أعتقده ماذا عنك ؟

أضع لكم أبيات لأبو الفتوح الغزالي وهو أخ العالم والكاتب الجليل أبو حامد الغزالي :

أَخَذْتَ بِأَعْضَادِهِمْ إِذْ وَنُوا
وَخَلَّفَكَ الْجُهْدُ إِذْ أَسْرَعُوا
وَأَصْبَحْتَ تَهْدِي وَلاَ تَهْتَدِي
وتُسْمِعُ وَعْظًا وَلاَ تَسْمَعُ
فَيَا حَجَرَ الشَّحْذِ حَتَّى
مَتَى تَسُنُّ الْحَدِيدَ وَلاَ تَقْطَعُ

أعلم أنك تتساءلون عن قصة هذه الأبيات وفيمَ قيلت، أقول لكم أن هذه الأبيات كانت سبباً في تأريق منام الغزالي وقلب حياته رأساً على عقب، كانت سبباً في انتقاله من تدريس العلم ومناظرة العلماء إلى العزلة والتصوف والهروب من كل ما يربطه بعلمه !

هجر النوم عينيه لليالٍ كانت أطول عليه من دهور الدنيا، بسبب قوة التوبيخ الصادر من أبيات أخوه الذي نبهه إلى أن علمه أصابه بالكبر على الناس وأنه لم يعد خالصاً لوجه الله تعالى، بل من أجل الانتصار في المبارزات العلمية والظهور، فأصبح يعظ ولا يستمع للوعظ من غيره، ويعلم ولا يتعلم من أخطائه، ليجزم الغزالي بعد انقضاء تلك الليالي ويشد الرحال بثياب رثة الى بلاد لا يعرف فيها اسمه .

لعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ
لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي
ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ
مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي
فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل
فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ
وَدُونَكَ أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ
لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي

أعتقد أنكم تعلمون جيداً لمن هذه الأبيات وما سببته من حرب سجلت حضوراً بارزاً في التاريخ، هي أبيات البسوس التي أقامت حرباً امتدت لأربعين عاماً، بسبب ناقة قتلت، فأصبحت البسوس مثل شؤم لدى العرب مما خلفه شعرها من آثار وخيمة .

على الصعيد الشخصي أعتقد أن الشعر ساهم في صقل شخصيتي بشكل كبير، فالحِكم التي يمدنا بها شعراء اختبرواْ الحياة وعرفوها أكثر منا كالمتنبي وأبو تمام، يكون فيها من الفوائد ما لا يمنحه لك الورديون -أصحاب التنمية البشرية-، لأن كلماتهم حتى ولو كانت ترتدي ثوب السواد والتشاؤم إلا أنها صادقة لا تزيف الحقائق ولا تعقد آمالاً وردية كاذبة، ما رأيكم أنتم ؟

وأنتم أصدقاء حسوب شاركوني أبيات شعر أثرت بكم، أو ساهمت في تغيير طريقة تفكيركم .