إذا ضاقت عليك الأحوال واشتدت الأمور في عقلك ولم تعد تملك المزيد من القوة وأقنعت نفسك بالتعب والإرهاق ولم تدرك في فترة معينة هل أنت بخير أو في أسوء حال؟ هنا أدعوك كي ترتدي ثيابك لتذهب معي في جولة صغيرة بعدها ستشعر بأنك سيد زمانك وستتحسن أحوالك.
سوف أذهب بك إلى المستشفى لن تقوم بأي فحص لأنك في صحة جيدة لكن تجول في أروقته و تنقل من قسم لآخر و من مصلحة إلى أخرى ستجد من أصبح المستشفى مسكنه فهو قاطن فيه منذ عامين أو أكثر، تجد من قطع آلاف الأميال للوصول إليه لأنه من منطقة نائية، تجد من يحتاج شخصاً كريماً يتبرع له بقطرة دم ولم يفقد الأمل في ذلك، ستجد من ينتظر الدور للدخول لقاعة العمليات لإجراء عملية ربما تعيده إلى الحياة و ربما العكس، ستجد أشخاصاً لا حول لهم و لا قوة يتنقلون بين أقسامه فيهم من يبحث عن أمه مريضة و آخر عن أخيه وقع له حادث سيارة و الآخر عن زوجته حامل وآخر يحمل ابنته احترقت بالماء الساخن و يجري نحو الاستعجالات بينما تتفحص أحوال الناس في مخيلتك الآن فقط و تقارن نفسك بما تعيشه و ما يعيشونه، قل لي كيف هي أحوالك؟
إن فكرة المستشفى هذه وزيارته كلما ضاقت أحوالي تفطنت لها عندما دخلته كمريض، كنت أمسك ثياب أمي في ذلك اليوم وأصرخ بشدة وأنادي بأعلى صوتي هيا ألم يحن دوري؟ وقد احتجت في تلك الأثناء إلى عملية جراحية لنزع الزائدة الدودية ومرت ساعة وأنا على تلك الحال، لكنني بعد فترة خيّمَ عليَ الهدوء والصمت وهذا ما جعل أمي تتفطن لذلك فسألتني هل أنت بخير؟ فقلت لها: نعم يا أمي، فقالت: إذن توقف الألم؟ فقلت: لا، فقالت: ما بك إذن؟ فقلت أنظري لذلك الشاب إن يده اليمنى مقطوعة وكان قد فقدها جراء حادث مرور، إن ذلك المنظر جعلني أتوقف عن الأنين لهول ما رأيت وعندما أجريت العملية بنجاح وعدت إلى المنزل بعد فترة قررت أن أزور المستشفى كلما ضاقت أحوالي كي أعرف أن هناك من هو أسوء مني.
إذا تفحصت أحوال الناس سترتاح كثيراً و ستطرد الهم من قلبك على الفور لأنك ستجد نفسك أفضل من الكثيرين، قم بركوب الحافلة عدة مرات و تمعن عند صعودك في الركاب و ستجد لكل شخصٍ منهم حكاية، ستجد من يتكلم بصوتٍ خافت مع السائق و يقول أنه لا يملك ثمن التذكرة، ستجد من ثيابه متسخة و يتحاشى الاقتراب من الركاب لأنه كان يعمل، ستجد تلك العجوز التي تحمل بين يديها حقيبة ثقيلة تجرها من مكان إلى مكان أردت أن أساعدها مرة في حملها فلم تقبل ذلك فقررت أن ألحقها فوجدتها عندما تنزل من الحافلة تتجه عند بائع العجائن و التوابل و تبيعه ما صنعته بيديها ففهمت سبب رفضها مساعدتي، ستجد ذلك الأعمى في الزاوية كان يكلم من بجانبه و يقول له: في وقت مضى أبصرت هذه الدنيا أما الآن فيقاطعه من بجانبه قائلاً: فأنت أعمى و غيرها من الأحداث التي تجري كلها في الحافلة، من الحافلة فقط عرفت كيف أجعل نفسي مرتاحاً لأنني كنت أتأمل في الركاب و حكاياتهم كنت أتأمل الأسى الذي يظهر على وجوههم و ما يخفونه في صدورهم، صعدت مرة إلى الحافلة للعودة إلى حيي وجدت الكراسي فيها شاغرة على العموم فجلست مقابل سيدة في الأربعين من العمر وفي المحطة التالية صعدت فتاة جلست بقرب تلك السيدة و سرعان ما أخذتا يتبادلان أطراف الحديث و كنت أستمع لكلامهما ثم أخرجت تلك السيدة كعكاً منزلياً و ناولت القليل للفتاة و القليل لي وأكملت حديثها مع الفتاة و بعد أن تذوقت الفتاة كعك السيدة قالت لها : إنه لذيذ جداً فقالت لها السيدة: نعم و مكوناته بسيطة و ما قالته السيدة حقيقة لأنني أعرف ذلك النوع من الكعك فأمي تحضره لنا باستمرار مع وجبة الإفطار ثم قالت السيدة للفتاة: ألا تعرفين طريقة تحضيره إنها سهلة؟ فقالت الفتاة: لا، أنا لا أعرف فقالت السيدة: لماذا لم تعلمك أمك مثل هذه الأمور فأنت في سن الزواج على ما يبدو فقالت الفتاة: يا خالة لقد توفيت أمي و أنا صغيرة و لا أتذكر حتى ملامحها و سبقت الدموع كلماتها و انفجرت بالبكاء فارتبكت السيدة و أخذت تمسح دموعها و تعتذر منها.
هذه القصة وقعت أمام عيني وأنا أستقل الحافلة، أنا أملك أماً وأعرفها وأعلم ما معنى الحنان إنه لشيء عظيم بالنسبة لي حتى وإن كنت في ضغوط ولدي مشاكل لكنني مرتاح الآن، ما رأيك أنت؟ نحن نملك أموراً عديدة لا يمتلكها البعض لكننا نتجاهلها لأنها صارت جزءاً منا لكنها في الحقيقة مهمة، نعم الكثير من الناس يحلمون بتجريبها فقط وليس العيش فيها، إذا شعرت بذلك الضعف أو الضيق أخرج فوراً من عالمك المظلم وحاول أن تدرب عقلك على الراحة بمثل هذه الأمور فتستطيع مثلاً أن تخرج للتجول وسط المدينة ليس لتغيير الجو فقط بل للتمعن في أحوال الناس حتماً ستجد من هو أسوأ من حالك وحينها سترتاح واجعل من هذه الطريقة دواء تأخذه كمسكن لكل تلك التوترات التي تسيطر على عقلك.
التعليقات