لم اكتب كثيراً في السابق.. مجرد منشورات فيسبوكية.. ولم آخذ الكتابة على محمل الجد .. الأمر فقط أنني قرأت مجموعة من الروايات.. وعندما اكتب أجبر نفسي عليها في البداية ليستمر بعدها قلمي لوحده.. أحببت أن شارككم اليوم قصة قصيرة كتبتها :
أنتَ لا تَدريْ لِماذا اختطفوكَ مِن غُرفتكَ المظلمة.. مِنْ عالَمِكَ الجميل.. حاولتَ، قاتَلتَ بِكلِّ ما لَديكَ مِنْ قوة.. لكن هيهات لجسدكَ الضعيفْ أنْ يُقاومَ أجسامهم العملاقة.. لَم تكنْ إقامتكَ في تِلك الغرفة سوى بِضعةَ أشهر.. عَلِمتَ مسبقاً أن بقاؤك لن يدوم طويلاً.. كُنت فيها كالملك في قَصرهِ.. تنام على أفضل المراتب، يأتيك الطعام طازجاً في وقته.. أحببت تلك الحياة أو بالأحرى ما قبل الحياة.. أخبروكَ أنهم سيأخذوك لعالم آخر، لغرفةٍ أخرى بيضاء جميلة كبيرة.. أحببتَ في البداية هذه الفكرة.. أحببتَ أن يكونَ قَصُرك أكبر وأكثر نوراً.. ولكنكَ لم تعلم أنه سيضيقُ بك على وسعهِ.. أمسكتَ بأطراف أصابعك باب غرفتكَ المظلمة.. جاهدتَ على البقاء فيها.. منْ جهةٍ تتشبثُ بك الأيدي العملاقة تسرقك من عالمكَ ومنْ جهةٍ أخرى تتشبثُ أنت ببقايا قصرك الصغيرْ.. لمْ تَدُم هذهِ الحالة كثيراً حتى أخرجوكَ من عالمكَ الصغير ليضعوكَ في عالمٍ أكبر لا بلْ في سجنٍ أكبر أو كما إعتقدتَ قصر أكبر..
عيناكَ الصغيرتانْ لم تتحملْ ما يسمى بالنور.. لم تَعُد ترى شيئاً أو لرُبما بدأتَ ترى أكثر مما يَجِبُ أن تراه.. حَولكَ وجوهٌ عملاقة لم تألفها أو ترى مثلها في قصركَ الصغير.. سَمعتَ مِن حولك أصوات مزقت أذنك.. أصواتٌ عرفتَ أنهم يصدروها عِندما يفرحونْ.. حاولتَ اخبارهم، مناشدنهم.. لكنكَ لمْ تعرفْ السبيل للتواصلِ معهم.. مسكينٌ أنتَ في تلك اللحضات.. كُنتَ وَحيداً وُلِدتَ وحيداً وبَقيتَ وحيداً.. يَداك ضعيفتانْ وقدماكَ كانا أضعفُ مِنهما.. جسمكَ هزيل بالنسبةٍ لأقرانكَ.. كونكَ هنا الآن هو معجزةٌ بِحَد ذَاتِها.. بَكيتَ.. صَرختَ.. نَحبتَ..لكن لا فائدة.. صراخكُ هو ألمك هو جوعك هو فرحك.. كلمةٌ واحدة تكفيهم لكي يفهمون ما تُريد.. لكن صراخكَ في ذلكَ الوقت كانَ حديثكَ الوحيد الذي لم يفهموه.. -أرجوكم أعيدوني لغرفتي لا أُريدُ هذا القصر الكبير الكئيب أريد ظلمتي الجميلة أريد الجدران قريبةً من حولي أعيدوني لحياتي لا أريد سجنكم هذا- كلامكَ هذا لم يفهموه بلغة البكاء التي لم تُجِدْ غَيرها آنذاك..
لكنهُ مِن المؤسفِ أنَّ حياتكَ في تلك اللحظة لم تكن ملكك.. هل تظن أنك وُلِدتَ حراً؟ كلا لستَ كذلك فأنت لم تقرر ما تأكله.. لم تقرر ما تلبسه.. حتى أنكَ لم تقرر ما تريدُ أن تكونه.. أنت وأنت وأنت.. تَعودتْ كلماتكَ على أن تُلحق بـ (لم)..
كَبِرتَ وكبرَ جسدكَ معكَ وسَبقهما عقلكَ نمواً.. ماما بابا أولى كلماتُ تواصلكَ مع من عرفتهم بالعمالقة.. فرِحتَ كثيراً بأن قاموسُ لغتكَ أصبحَ فيه ثلاث كلمات بكاء ماما بابا.. كلُّ كلمةٍ تُضيفها لقاموسكَ كانتْ تُسَهّل عليكَ حياتكَ.. بدأتَ تألفُ هذا المكان أحببتهُ لدرجة أنكَ نسيتَ عالمكَ الآخر نسيتَ غرفتكَ المظلمة التي آوتك تسعة أشهر.. بَدأت شيئاً فشيئاً تسيرُ على أربع أقدام.. كَبِرتَ قليلاً وعرفتَ أن يداكَ ليستا للمشي.. بدأت حينها تمشي على قدمين..دَخلتَ المدرسةَ.. تَركتها.. بدأت تكبر أكثر وأكثر..
لكِنكَ لم تَعلم حينها أن الحياة تسير دون نهاية غير آبهةً بكَ.. ظننتَ أنكَ مميزٌ وأنَّ الحياة خُلِقت لأجلك.. ولُدِتْ عِندما تَقرر ولادتكَ.. ظَننتَ أنها ستكبرُ مَعكَ.. ولكنْ توقعاتكَ خَذلتكَ مِثلما تَخذُلكَ دائماً.. عَرفتَ أن الحياةَ غير مهتمة بأحلامنا الصغيرة.. علمتَ أن يدها تصفعُ أكثرُ مما تمدها للمساعدة.. تَخدعُكَ بماضيكَ الحزين وتُخيفكَ منْ مستقبلكَ المجهول لتنسيكَ حاضركَ الذي أنتَ فيه.. كُلما كَبرتَ كلما زادتْ معاناتكَ.. صفعاتها بدأتْ تتحول الى لَكماتْ.. ذكّرَتكَ لكماتُها بِغُرفتكَ المظلمة التي أنستكَ أياها فيما مضى.. وَددتَ بِكُل ما لديكَ لو أنهم يعيدوكَ إليها.. تَمنيتَ لو أنهمْ لمْ يَسحبوكَ إلى هذهِ الدنيا.. كُنتَ تَقولُ دائماً لو أنني لم أولد.. لو أنَّ هذهِ الأيادي لم تَسحبني.. تَمنيتَ لو أن (لم) لا وجودَ لها في حياتكَ..
تَتَسائلُ أحياناً لماذا نَتمنى ما نُريد؟! لِماذا نُريد سيارة فارهة؟! هل هذا لأننا نحب هذه الأشياء؟! تَتَسائلَ والتساؤلاتْ قد أتلفتْ عقلكَ الضعيف لِماذا لا نَتمنى زَوال هذهِ الرغبة فقط.. لماذا نتمنى ملئُ رغباتنا لماذا لا نتمنى عَدم وجود هذه الرغباتْ أصلاً.. فالنتيجة واحدة في النهاية..أنتَ كنتَ قد كَرهتَ تساؤلاتك.. لأنهُ لا مُجيبَ لها.. بَحثتَ كثيراً عن الشخص الذي سيملئُ فراغَ أسئلتكَ بنورِ إجاباتهِ.. لكنكَ تَذكرتَ أنكَ كَرهتَ النورَ الذي أوهموك بهِ.. أحببتَ الظلام كثيراً أحببتهُ أكثرَ من أي شيءٍ آخر. .ظلامكَ الحقيقي كانَ أفضلُ لكَ من نورهم الخادع.. كُنتَ قد أوقفتَ سلسلةَ تساؤلاتكَ التي ما أنْ بدأتْ أصبحتْ لا نهاية لها.. كما هو كُرهكَ لهذهِ الحياة هو أيضاً لا نهايةَ له..
أحَببتَ البكاءَ والنحيبْ ولكنهم رفضوكَ لأنكَ ببساطة كبير.. لعنتهمْ ولَعنتَ منطقهمْ الذي يُكَبّل حريتكَ لأنكَ كبير.. تنعزلُ في غُرفتكَ في هذا القصر المسمى بالحياة.. تطفئُ الأضواء وتَصنع عالمكَ القديم، غُرفتكَ الضيقة المظلمة الجميلة.. كنتَ تَنصهرُ حُباً مع كُل ذرةِ ظلام تشاهدها.. كُل جزيئةٍ منْ خلايا جَسدكَ تفتحُ ثغورها لإلتقاط ظلامكَ البديعْ.. تَطوي نفسكَ على سريركَ.. تَنسى عالمهم الكبير وتبدأ بعزف سيمفونية بكائكَ وحزنكَ على ظلامكَ الذي سلبوه مِنكَ.. كرهتَ كل شيءٍ في هذهِ الحياة التعيسة..أحزانها، أفراحها، حماسها، حتى حبها.. كل شيء أصبح لا شيء.. ولكنكَ تَعرفُ أنَّ بكائكَ لا ينفعكَ.. أحزاننا تختفي عندما نشاركها مع الآخرين، تتجزء قطعاً صغيرة تتلاشى وكأنها حفنةُ غبارٍ يواجهُ ريحاً عاتية.. ولكن ريحكَ العاتية لم تأتي بعد..
عَرفتَ بعدَ حين أنكَ كنتَ مخطئاً.. - ليتني تَعلمتُ من أخطائي - هذا ما تُرددهُ بَعدَ كلِ درسٍ تتعلمهُ مما يسمى مدرسة الحياة.. تمنيتَ لو أنَّ دروسكَ تأتيكَ مسبقاً.. ولكنَ قوانين تلك المدرسة كانتْ على خِلاف جميع المدارس التي دَخلتها.. تمتحننا في البداية لتعطينا الدروس في النهاية.. عَرفتَ أنكَ لا يجبُ عليكَ إنتظار رِيحكَ العاتية لتحرركَ من أحزانِكَ.. عرفتَ بعد زمنٍ طويل أنه.. أنتَ من يجبُ عليكَ الوصولَ اليها.. انتَ من يجبُ أن يسعى.. أنتَ من عليهِ العمل والبحث عن الحياة الحقيقية التي إنتظرتها طويلاً..
أنتَ الآن يا صديقي نَسيتَ ماضيكَ التعيسْ وتتناسى خوفكَ من المستقبل الآتي.. أنتَ الآن تعيشُ حاضركَ لذلك عِشهُ كما تُريد وليسَ كما يريدون.
إنتهى.
