صراع الموتى

مع نزول ستار الليل، استقبل ميدوس ليلة ثقيلة بغيومها الكثيفة التي أخفت لمعان القمر القرمزي، وبدأت السماء بإطلاق دموعها بغزارة على أراضي مدينة الموتى، مما حول شوارعها إلى برك مائية صغيرة متفرقة. كانت هذه أصعب ليلة يواجهها ميدوس منذ هجران حبيبته له في ذلك اليوم قبل ثلاث اعوام.

بعد أن اشتد الجوع به، خرج ميدوس من منزله ليسير بين قطرات المطر في زقاق المدينة، حتى وصل إلى منطقة مليئة بالحوانيت ومراكز البيع. نظر إلى الحوانيت بحزن، كأنه كان يأمل أن يرى أحدًا من أصحابها ليكمل سيره، دون أن يلتفت إلى شيء، حتى وصل إلى عمود الإنارة الذي كان بجواره صندوق القمامة، بحثًا عن شيء يأكله منه.

على بعد خطوات منه، كان هناك حانوت لم يغلق بعد، يتسوق منه رجل بدين في العقد الثاني من عمره، يرتدي سترة من الحرير ويضع خاتمًا على يده، ويحمل مظلة مطلية بالذهب، تعزف نغمات عذبة عند ملامستها قطرات المطر. وفي حزام سترته، كان يضع سيفًا مزينًا بالأحجار الكريمة.

عندما كان ميدوس يبحث في صناديق القمامة، انتقلت إلى أنفه رائحة طيبة من مكان قريب. رفع رأسه بيأس وراقب الخبز الذي كان مع الرجل الثري، ما زال صوت بطن ميدوس يصدر قرقرة من الجوع، ولعابه بدأ يسيل. سمع ميدوس صاحب الحانوت يقول: "تفضل يا سيد إيزن"، فترك المكان حيث كان يفتش عن الطعام، وركض خلفه. حاول ميدوس القفز ليمسك به، لكنه سقط وأمسك بذيل ملابسه، واليأس يعلو محياه، وهو جاثم على ركبتيه خلفه. يترجاه: "أرجوك يا سيدي، أعطني قطعة من الخبز الذي معك، وسأفعل كل ما تريده."

استدار إيزن له، نظر له باحتقار، وتحولت ملامح وجهه من الاستمتاع بنغمات تساقط الأمطار إلى الغضب. قام بركله بعيدًا. صاح في وجهه بصوت متعب: "ماذا تفعل أيها الوغد القذر، أ لا تعلم من أنا؟" أمسك بالحجارة وقذف بها الفتى الذي تجرأ على أن يلمسه، رفع الفتى يديه محاولًا بيأسً حتى لا تصيبه أية حجارة، مما جعله يتألم. سأل نفسه في حالة من الغضب الداخلي: "لماذا يحدث هذا لي؟"

فجأة، رأى ميدوس الدماء تسيل على كلتا يديه ورأسه، والرجل الثري يبتسم. شعر بالإحباط ينخر في دواخله، مما جعله يغمض عينيه بألم. حاول ميدوس الصعود على قدميه، لكنه شعر بالضعف الشديد والخذلان. انخرط في حالة من الإحساس بالفشل والهزيمة، حيث بدأت الأفكار السوداء تسيطر على عقله المضطرب.

اقترب صاحب السلة منه ببطء، مستمتعًا بلون الماء الأحمر على الأرض، واستدار قائلاً بصوت متدني: "أ اصبحت الكلاب تتجرأ على أن تنبح في وجوه أسياده؟ "

استيقظ ميدوس في ظلال الظلم وسقوط الأمطار، التي كانت تخفي صوت الظالمين عن آذان الناس. اشتعلت نيران سوداء داخل جسده، تتوغل من أطرافه حتى تصل إلى قلبه، تتزايد حرارة جسده حتى تبخر كل الماء حوله. فتح عينيه ليرى النيران السوداء المتوهجة في عينه اليسرى، وفي لحظة نهوضه، توقف المطر فجأة، وظهرت عصا في يده كأنها ظهرت من العدم. تقدم إيزن بخطوات هادئة إلى الامام، وشعر بالحرارة المتصاعدة حوله، حيث تبخرت قطرات المطر في الجو.

استدار ببطء ليجد نيرانًا سوداء تحيط بجسد الفتى الذي يعتقد أنه قتله، فغلبته موجة من الخوف، مما شل حركته. اختفى الفتى ليظهر خلفه، شعر إيزن بالحرارة المتزايدة، وبدا جسده يتصبب عرقا، استدار ببطء ليرى نيرانًا سوداء في عين شيطان أمامه. تساءل بصوت مرتفع: "من أنت يا ملعون؟ أأنت من نسل الحاكم؟"

بغريزة البقاء، حاول الهروب من الرؤية المرعبة أمامه، وكأنه واجه أحد الشياطين القديمة التي سمع عنها من جده. سمع صوتًا حادًا يحمل في طياته الخوف والغضب والسعادة، قلع الحوانيت وأعمدة الإنارة الخافتة من مكانها، قائلاً: "لقد فات الأوان.