مقدمة "ملاحقة الماضي"
الماضي… تلك الظلال التي نظن أنها اختفت، لكنها في الحقيقة لم تغادرنا يومًا. نركض بعيدًا، نغير الطرق، نطمس الملامح، لكن الماضي يعرف كيف يلاحقنا، كيف يتسلل عبر الشقوق الصغيرة في ذاكرتنا، حتى نجد أنفسنا وجهاً لوجه معه، عاجزين عن الفرار.
سامر لم يكن يبحث عن الحقيقة، بل الحقيقة هي التي طاردته. بين رسائل غامضة، وأصوات في الليل، وصور تروي قصصًا لم تُحكَ بعد، وجد نفسه أمام لغز لم يكن مستعدًا لحلّه. كل خطوة يخطوها نحو الماضي، كانت تأخذه إلى منطقة لم يكن يدرك وجودها… منطقة محفوفة بالخطر، حيث الحب يمكن أن يتحول إلى مأساة، والشوق إلى لعنة، والذكريات إلى كابوس لا ينتهي.
في هذه الرواية، لن يكون السؤال عن الحقيقة فحسب، بل عن الثمن الذي يجب دفعه لكشفها. فهل يستحق الماضي أن نطارده، أم أن بعض الأبواب يجب أن تظل مغلقة إلى الأبد؟
~_مـروآن هہآنيـﮯ_~
الفصل الأول: ظل في العتمة
كانت الليلة باردة، والضباب يزحف كالأشباح بين الأزقة الضيقة للمدينة القديمة. على أطراف الشارع المرصوف بالحجارة الرطبة، وقف "سامر" تحت ضوء مصباح خافت، يراقب المبنى العتيق بعينين مثقلتين بالذكريات. لم يكن مجرد مبنى بالنسبة له؛ كان بوابة إلى ماضٍ لم يرد أن يتذكره، لكنه ظل يطارده كظل لا يفارقه.
قبل خمسة عشر عامًا، في هذا المكان بالذات، وقعت الحادثة التي غيّرت مجرى حياته. اختفى والده فجأة، تاركًا خلفه سلسلة من الألغاز والهمسات الغامضة التي لم يجد لها تفسيرًا حتى اليوم. لم يكن الأمر مجرد اختفاء عادي؛ الشرطة أغلقت الملف بعد أسابيع، مدعية أنه لا يوجد دليل على جريمة، لكن سامر لم يصدق ذلك يومًا.
عاد إلى هنا الليلة بعد تلقيه رسالة مجهولة المصدر، وُضعت تحت باب شقته صباحًا. كانت ورقة صفراء قديمة، كُتب عليها بحبر باهت: "الحقيقة ليست مدفونة، بل تنتظرك حيث بدأ كل شيء."
لم يكن بحاجة إلى التفكير طويلًا. كان يعلم أن عليه العودة إلى هذا المبنى، إلى الماضي الذي ظن أنه دفنه. استجمع أنفاسه، تقدم ببطء، ودفع الباب الخشبي الثقيل الذي أصدر صريرًا حادًا كأنين قديم. كان الداخل مظلمًا ورطبًا، رائحة العفن تعبق في الهواء.
عندما خطا إلى الداخل، أضاء ضوء خافت في الطابق العلوي للحظة، ثم اختفى. شعر بقشعريرة تسري في جسده. لم يكن وحده هنا.
لكن السؤال الحقيقي: من ينتظره في الظل؟ ولماذا الآن؟
~_مروان هاني_~
الفصل الثاني: علامات من الماضي
وقف سامر في العتمة، متوترًا، محاولًا تهدئة أنفاسه التي تسارعت رغمًا عنه. كان المبنى صامتًا إلا من صوت قطرات ماء تتساقط في مكان ما، كأنها تحسب له الثواني المتبقية قبل أن يكشف الحقيقة.
تحسس جيب معطفه بحثًا عن مصباحه الصغير، وحين أخرجه وأشعله، انكشفت أمامه ممرات طويلة، جدرانها مغطاة بطبقات من الغبار والشقوق العميقة، وكأنها شاهدة على سر قديم. نظر حوله بحذر، متجهًا نحو السلم الخشبي المهترئ الذي يقود إلى الطابق العلوي، حيث لمح الضوء قبل لحظات.
كل خطوة كانت تصدر صوت أنين خافت، كأن الأرضية تحتج على وجوده هنا. عندما وصل إلى الطابق العلوي، لاحظ بابًا نصف مفتوح في نهاية الممر. تردد للحظة، ثم دفعه ببطء.
داخل الغرفة، كانت الجدران مغطاة بصور قديمة، معظمها ممزق أو محروق جزئيًا، لكن ما لفت انتباهه صورة واحدة مثبتة بعناية في منتصف الجدار. اقترب أكثر، وعندما سلط ضوء المصباح عليها، شعر بقلبه يسقط في جوفه.
كانت صورة والده.
لكن ما جعله يتجمد في مكانه لم يكن مجرد الصورة، بل الخط الذي كُتب أسفلها بحبر أحمر: "ليس كل من يختفي، يضيع... أحيانًا، يختبئ."
قبل أن يتمكن سامر من استيعاب معنى العبارة، سمع صوت حركة خلفه. استدار بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد. فقط الهواء البارد يلفح وجهه، وهدوء مشؤوم يسيطر على المكان.
لكن في تلك اللحظة، لم يكن سامر يعلم أن مجرد دخوله لهذا المبنى قد فتح بابًا لا يمكن إغلاقه بسهولة…
~_مروان هاني_~
التعليقات