خلتُ إلى غرفة والديَّ أبحث عن ساعة يدي، أفتح الدرج هنا وأفتح الدرج هناك، أفتح الخزانة وأنظر فوق الطاولات، إذ بي أصل إلى خزانة أمي، نحن في العادة لا نقترب من هذه الخزانة ذات البابين، فتحتُ بابًا واحدًا، إذ بي أرى فستانًا أصفر اللون، صغير الحجم، لطفلةٍ صغيرة لا تتجاوز بضعةَ أشهر، قربتهُ من أنفي و رائحةُ الأطفال فيه، نعم إنها رائحة لين، أختي الصغيرة لين، إنها وجعُ قلوبنا، لم ولن تفارقنا يوماً في بيتنا منذ أن تُوفيت، توفيت ااااهٍ وااه! ، كيف توفيت؟

في آخر أيام العيد مرضتْ لين في ليلةٍ سوداء مظلمة، ارتفعتْ حرارتها، فانتفض والديَّ وحاولا إخفاض الحرارة لكن دون جدوى.

اتصل أبي بصديقه: يا أبا محمد بسرعة احضر لي السيارة، ابنتي مريضة، أتت السيارة وذهبا بها إلى المستشفى.

هنا كان ثالث أيام العيد، ادخلاها وسألا عن غرفة طبيب الأطفال أو أي طبيب متواجد يمكنه تشخيص الحالة، لم يجدا إلا مُمرضين ومرضى، صرخ أبي فزِعاً: (شو هي المشفى يلي ما فيها ولا دكتور مناوب)

أجابت أمي الخائفة على ابنتها : (تعالَ خلينا نشوف مشفى تاني، ما في وقت).

وذهبا إلى عدة مشافي ولكنهما لم يجدا طبيبًا واحدًا، وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

أخيرًا باتا مع أختي في أحد المستشفيات خارج المدينة.

حاولت الممرضات خفض حرارة أختي .. لكن أتت ممرضة في النهاية لا دري كيفَ أصفها، صرختْ بأمي: ما بك وإن كانت مريضة فهي مجرد حرارة!

صرخت أمي في وجهها وكانت خائفة على ابنةٍ أنجبتها بمداد الروح، ردتْ الممرضة: (إذا بدك تعيطي هيك رح اشتكي عليكي وما أشوف بنتك).

صمتت أمي خوفًا على ابنتها ولأن أبي لم يكن معها، فقد رفضوا إدخاله خوفاً من الازدحام، آهٍ عن أي ازدحام يتحدثون، حُرمَ أبي من رؤية أختي قبل وفاتها، لا سامحهم الله في تقصيرهم، إنَّا لله وإنّا إليه راجعون، ها قد نبض قلب أختي الصغيرة آخر نبضة، كانت في تمام الساعة السادسة صباحًا.

أتيا إلى البيت وكانت أمي تحمل أختي الصغيرة، أنا وأخي مهند لم ننم ليلتها، خرج أخي مسرعًا وهو لا يعلم ماذا ينتظره من الحزن، حتى أنا كنت أظن أنها عادت سليمة، حاول مهند حمل أختي لكن أمي رفضت أن يحملها غيرها، سأل مهند: هل لين نائمة؟!

نعم يا صغيري نائمة لكنها لن تستيقظ بعدها إلا في قلوبنا،

نعم نامت لين، بعد أن نامت ضمائر وقلوب بعض الممرضين، نعم نامت وأخذتْ قلوبنا معها، رحلت الفتاة الوحيدة لدى والديَّ، رحلت لكن ما زالت ذكرها فينا.

يكاد لا يمر يومٌ إلّا ونذكر اسمها فيه.

أين أنتِ يا لين، هل تنتظرينا عند باب الجنة كما أخبرنا نبينا الكريم ﷺ؟

بكلّ تأكيد، فأنتِ طيرٌ من طيورها.

أسأل الله أن يجمعنا بكِ في الفردوس الأعلى.

يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:

«إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ: «ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».