يجر حقيبته من خلفه، يدخل المطعم يضعها بجواره، يخرج قلما وورقة ويدون ما يريد، يعطيعها إلى الطاهى ويعود إلى موضعه، شاب وافد ربما فى السابعة عشر أو الثامنة عشر، ملامحه هادئة ، فى حقيبته جل أحلامه وأغراضه ونواياه، ترك وطنه ودف العائلة وأنس الصحبة، واختار الغربة وأنس الكتب، وجاء متجها إلى مصر، إلى كعبة العلم إلى الأزهر الشريف، طالبا للعلم ، منفقا فيه الغالى والثمين؛ العمر والمال، غير عابئ بما سيلاقى، من غربة الوطن وغربة اللسان، فلسانه غير لسا أهل هذا المكان، يظل لعامين يدرس فى المعهد اللغة العربية وسيعانى فى نطق حروفها وربما يستغرقه أعواما وأعوام حتى يستقيم له النطق ويصح عنده الفهم .

   نيته العلم ويالها من نية لو تحقق معها الصدق والإخلاص لهانت الدنيا له ولنال سعادة الدارين،  والرحلة من أولها إلى أخرها تعلن أنها رحلة عناء وتعب ومشقة، لكن مذاقها سعادة وهناء وسرور، سمته الوقار وهذا شأن الدين فى أتباعه ينزع الدنيا من قلوبهم فلا تلقى لها أثر على وجوهمهم ، يوجهم إلى غايات أسمى وأرفع فيلقى عليهم من الوقار والهيبة والرفعة، هادئ جالس طالبا مطعمه، يحضر الطاهى له طلبه ينهى مأكله ويعود ليكمل رحلته.