أبصرته حاملا حقيبته بمفرده، ففى تلك الحقيبة رسالته، سائر وكأن المكان غريب وكأن الكون كله غريبا عنه كمن فقد أمه فالدنيا كلها فى نظره لا تساوى شئ لحظة قرب أمه، أبصرت الحزن والضعف والغربة فيه فلم يمضى الكثير على وفاة زوجه، فقد مضى أكثر من أربعين عاما عليهما معا، عاشا كل شئ سويا،  الفقر والغنى والسعادة والشقا والحزن والفرح، كل الأحداث مرت عليهما كل منهما يساند الأخر، يدعمه فى مسيرته كانت له أما وأختا وابنة وصديقة، كانت هى الركن الهادئ عندما يكثر الهرج والمرج من حوله، والعقل الحكيم عندما يتشتت فى أفكاره، نصفه الأخر الذى بها اكتمل ومعه كبر، مضى العمر بهما يتوكأ كل منهما على الأخر.

فالموت ذاك الضيف الغائب عن عقولنا نسمعه ونقرأ عنه، ففى كل يوم ينادى المذياع لموت أحد،  لكن الأمر مختلف حين يكون فى أقرب الناس إلينا، يقع علينا الخبر كصاعقة، يمر الوقت بطئ،  ففى مروره ثمة شفاء لأرواحنا جراء هذا الفقد، لكن القلب مثقل والروح غريبة، هل جربت مرة أن تسير وقدماك مجروحة هكذا عند الفقد،  كأنه كتب عليك أن تمضى فى حياتك وقلبك مكسور وروحك متعبة.

يحمل حقيبته ،يجلس يطلع على الدرس يشرح ويتفاعل كعادته، رباه أنًى لك بكل هذا!  ولم يمضى الكثير على رحيلها، لما لا تعطى نفسك الوقت للعزاء، فكان رده أن لا وقت بنيتى لهذا؛ أنى لى أن أعلمك حديث رسول الله (إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن إستطاع أن يغرزها فليفعل) أأكون ممن يدعو للبر ولا يفعله أعوذ بالله من هذا، ثم يا بنيتى ليست تلك أول نازلة؛ لكنها كانت أشدهم على، إنها  سنة الله أن لك طريق وهبت الأنفاس فيه فحذارى أن تلفت فى طريقك،  هكذا علمنا مشايخنا لا يصل ملتفت فكل ملتفت لا يصل تمضى فى طريقك منذ أن تختاره فمن شاء أن يشارك الرحلة فليمضى معك ، ثم عبر المسير ترى الجمع ينقص فلا تلتفت وامض حيث وهبت الأنفاس لله فالكل راحل وخالق الأنفاس معك، يابنيتى  علق القلب والروح بالله تسلمي على الدوام، وتذكرى لا يصل ملتفت.

#منى_مهير

الاربعاء

17 أغسطس 2022 ميلاديا