توقَّفت عن التفكير، تحتاج ساقاي إلى الحركة قليلًا، خرجتُ لأتنفَّس شيئًا من الوَحدة، خُلُوُّ الشوارع كان مؤلمًا ولكنه مريحٌ أيضًا، أُحرِّك مُقلتَيّ هنا وهناك باحثةً عن ما يُلفِت ناظري فأتامَّله، لمحتُ صورةً قد رُسِمت على جدار، يبدو أنَّ الرسام لم يتجاوز العاشرة، اقتربتُ منها ومرَّرتُ أناملي عليها، أحسَسْتُ بصدق عاطفة راسِمها، وبِمدى ألمه، ابتسمت مُستخِفَّةً بحالي وأنا أكبُرُه بعُدَّة سنين.
بينما أنا على تلك الهيأة ربَّتَ أحدهم على كتِفي، كانت عجوزًا جميلةً تجاوزت مرحلة الشباب واستقبلتها الشيبات برحابة. قالت لي: «هذه اللوحة يا صغيرتي لحفيدي الذي مات قبل ثلاثة أسابيع، وبعد أسبوع منذ أن رسمها، قدَّم لي قلبه إذ أنّي مريضة القلب، كنت قد ردَدْتُ له رافضةً وأنا أضحك حين أخبرني أنه يريد ذلك، فخرج مُسرِعًا حامِلًا قطعة فحم، عاد إلي بعد وهلاتٍ وهوى نحو جسدي الهزيل باكيًا، جذبني من يدي ليُريني لوحته الجميلة، لا أُنكِر أنِّي حين رأيتها حسِبتُها مُجرَّد خُطوطٍ وُصِلت ببعضها، ولكن بعد وفاته أدركتُ معناها، وندبتُ حظي الذي لم يحرمني قلبي وحرمني حياتي التي كانت رائعة، فهمتُ حينها لماذا رسم طفلًا يضحك بالرغم من أنَّ قلبه خارج جسده، أدركتُ استدلاله بنفسه وبقلبه الذي وهبه لي».
توقَّفنا عن الحديث بعد أن سالت دموعها كنهرٍ يظهر عليه بريق الشمس، تحاولُ أن تُخفِيها كما تُخفِي الغيوم القمر، وقبل أن أنبس ببنت شفة أخبرَتْني أن أزورها إن كنتُ راغبة في ذلك، ثم أشارت بيدها نحو منزلها وغادرَتْ موقفها.
هي تُعاني الوَحدة بعد رحيل حفيدها، وأنا أبحث عنها!