إلي ذاك الوطن الذي أحببته قبل ميلاد أبي بحقبة من الزمن، عندما كنت رماداً محشوةً في أرحام الطغأة، بين ثبات وجودي و استحالة ميلادي، كنت طفلاً اصنع سيارات صغيرة أحلم بمرورها نحو المحيط، أرتدي مخاوفي و افرغها في رصيف المكسيك، و الباعة المتجولين يصرخون حولي بلغةُ لا أعي تفاصيل بلاغتها، و الجنود يحدقوني بثقب من فاهة بنادقهم بأننا غرباء و اجانب لا نفقهه في الثقافة شيئاً، كيف لنا إن نحمل الجنسيات الأجنبية، فكرت العودة إلي إفريقيا مجدداً و تذكرت حينما كنت اتعاطي ساعات الليل جوعا اتشرده في مقاهي المدن الفقيرة، اتجرع كاسين من مشروب محلي لا يداعب مخيلتي كما يجب، تلك الفتاة البيضاء كادت تعانقني بعيناها الثاقبتان من جراء جمالية لوني الاسمر، ساومتني إن امنحها قبلة مقابل إن تمنحني الجنسية التي تحق لي إن أكون سيد العالم، هكذا تذكرت عقيدتي و أهلي و اصحابي، تخيلت للحظة،

ما الضير إن أبدل إسمي الي "جميس " أو "جون" ، و اري تقاسيم وجهي منغمساً في ذراع البيضاء الانانية تشتري بشرتي من أجل المتعة و البزخ، عدت تارةً الي المطعم الشعبي جالساً شاحب اللون و هزيل الجسد جراء تلك الليالي التي قضيتها افكر إن لا ابيع جسدي بفتات خبز، طإلما ما تعاملت مع الجوع سابقاً الهث وراء الاستقرار

عند لاح شعاع الخيط الأبيض كدت إن أفقد حاسة الشم حين مر بي ناسمة باهتة،

تسائلت مجدداً في أي ليل أخر أنا، حين الطرق بطيئة السير، و جاري السكير لم يطل حتي الآن،

ساورتني الشكوك بأنه ضاجع عاهرة افرغت أمعاؤه في حوض الغسيل حتي غفأ منهك القوةُ،

تأملت ساعة هاتفي تشير الوقت الي الساعة 8 مساءاً بتاريخ تعود للقارة السمراء مرة اخرئ،

اشاهد نفس المناظر، فتاة تجلس بجانبي في حانة بسيطة، مرتبة تدعوني لرقصة السالسا، أجادلها إن كان هناك ثمة لهذه الرقصة غير إثارة المرح، و افراغ سويعات من العرق، مضي الوقت سريعاً نسيت تأشيرتي

و خطاب السفارة تحت درج الملابس، و ذاك القنصل يشتمني بأنني مهملاً في المواعيد،

سألته لماذا أشتري وطناً طإلما املك مليون ميل مربع، لماذا اشتري قطعة لا تتجاوز 300 متر إدفع ضرائبها حتي أموت و وطني تفترش الآلاف المساحات الشاسعة، خضراء بلون جدودي و دماء خلفها،

أخبرني بأنني ثرثار و متعجرف لا أشبه أبناء جلدتي الذين يبيعون كل شيء من أجل الرحيل حتي اجسادهم،

قلت له صاخباً : ثمة أشياء و اهمها الكرامة لا تباع من أجل مغريات وطن مبني علي ملاهي الفسق،

عادت بي السيارة مجدداً حيث الرمال الكثيرة و عبدة المال، عدت محملاً بغبار جميع القارات أقبل جبهة أمي،

و أجلس مجدداً احتسي القهوة بالزنجبيل و الهبان،و صديقي ضائعاً يسرد لي عن حقيقة كيف باعوا وطني، و تركونا نحتسي القهوة بدون حبات السكر، كيف اقنعوهم بأن البدلة العسكرية خيراً من الف قلم،

بكيتّ قليلاً و حملت حفنة من تراب أرضي ثم حشرته بين سروالي الممزق من مطاردة أحلام الهجرة،

و غدوت أتسائل كيف يعيش الإنسان إن كان حقاً لا يملك وطن!

و هل هنالك ثمة اجابة تفشي مرارة الحلق و زكام الحزن؟

#ذات_قهوة