سبق وأن نشرت هذه القصة في معرض أعمالي وأحببت مشاركتها معكم، في انتظار ملاحظاتكم لي ..
أقفلت الزر الأخير من قميصي الأبيض الناصع، ونظرت لنفسي في المرآة، أبدو بحلة رائعة، رششت العطر، كلمسة أخيرة، فاليوم هو الموعود ..
راقبت لمعان حذائي، وأنا أخرج من المبنى ذاهبا لوجهتي، أوقفتني جارتي وهي تقول:
-بني حاتم، هل اليوم يوم الزفاف؟
أومأت موافقا، رنت في أذني ضحكتها وهي تبارك الزفاف، ركبت سيارتي وأنا أدندن، ما إن انطلقت حتى بدأت باجترار ذكرياتنا معا، أنا وهي ..
كانت تريني في ذلك اليوم إحدى أغانيها المفضلة، اقتربت مني وهي تحشو السماعة في أذني، كان ضوء الشمس قد عكس لون عينيها العسليتين، ابتسمت بحبور:
-ستعجبك يا حاتم أنا متأكدة ..
هل في ذلك اليوم شعرت أني فعلا أحبها، ولا أستطيع العيش من دونها، نعم ربما، لا أتذكر كم مرة خفق قلبي وأنا بجانبها فالمرات لا تعد ولا تحصى، حتى أكاد أجزم أنها تسمع الدقات المدوية، التي تخبرني أن قلبي سيقفز من مكانه ..
وقفت أمام إشارة الضوئية، وأصابعي تلعب على المقود، لمحت متجر الزهور، ابتسمت هناك أيضا كنا في أحد المرات، حين وقفت لتسأل بائع الزهور، وقامت بسؤال البائع:
-سيدي ماذا تسمى هذه الزهرة؟
-إنها التوليب الأحمر يا ابنتي
-انظر حاتم إنها تشبهك حين تغضب ..
ضحكت وأنا أتذكر تشبيهاتها لي في كل مرة، حين تضحك هي تظهر الغمازتين بشكل جميل..
نظرت إلى ساعتي ، لازال هنالك وقت طويل، ضربت أشعة الشمس في عيناي، حين أدرت السيارة من أجل صعود الشارع، دفئها ذكرني، بيوم الغابة الذي خرجنا فيه، كم سيبقى ذلك اليوم خالدا في ذاكرتي، كنت أغسل يداي بعد الغذاء في النهر ، جاءت هي قربي وقامت برشي، وبدأنا في لعبة القط والفأر حتى انتهى بنا الأمر مبللين بالكامل، لنضطر أن نفرش أجسامنا على العشب طيلة اليوم أمام الشمس حتى نجف..
قمت بصف السيارة، كان خارج قاعة الزفاف محتشدا، ما إن رآني الجميع، حتى بدأوا في تحيتي، وإطلاق النكت هنا وهناك، حاولت التملص منهم بصعوبة حتى أدخل للقاعة، بحث عنها في كل الغرف، حتى ظهرت لي الغرفة الأخيرة، حين جلست هناك وهي تنظر لباقتها، وقفت أتأمل فستان زفافها الذي انتشر في كل مكان، وكأنه يغطي الغرفة بأكملها، رفعت نظرها، ثم انتفضت وهي تنادي اسمي:
-حاتم !
ابتسمت وأنا أهمس:
-كم اسمي جميل وأنت تنطقينه ..
حملت فستانها حتى يسهل وقوفها، واقتربت مني محرجة:
-ما رأيك؟
حاولت أن أخبرها، فسمعت صوتا آخر:
-رائعة !
وقف بجانبها هو .. وأحاط بخصرها:
-رائعة حبيبتي، أليس كذلك حاتم ؟
شعرت بغصة في حلقي، وقلت :
-أجل تبدوان معا رائعين
همس لها :
- أخواتي يردن رؤيتك
أومأت برأسها ، رمقتهما بضيق وهما يرحلان، حاولت اقتطاعه من كل مشاهدنا معا، لكني لا أستطيع، فحين أرتني أغنيتها المفضلة، ظهر هو كذلك يجلس قربنا ويقول:
-لقد شاهدت الأغنية، هي رائعة يا حاتم أليس كذلك؟
وحين وقفنا أمام متجر الزهور، ظهر خلفنا وهو ينظر:
-أنت محقة يا زينب هذه الزهرة تشبه حاتم حين يغضب ..
وأيضا في الغابة لم نكن نحن فقط المستلقين في الشمس بل هو أيضا معنا وهو يتذمر:
-لقد بللتماني يا رفاق، متى ستكبران ؟
زممت شفتي وأنا أرقبها تغطي وجهها بالطرحة وهي تصعد للكوشة على أنغام الزفة، بدأت أرى نفسي هناك أقف، لا هو، سمعت الأغنية التي وضعت على اسميهما معا: زينب وفيصل ..كانت ستكون أفضل لو كانت زينب و حاتم ، أليس كذلك؟
انتبهت لنظراتهما معا نحوي، فقال فيصل بسعادة:
-هيا يا حاتم اعزف يا صديقي ..
نظرت لنفسي وأنا جالس على البيانو، كيف وصلت إلى هنا؟
وضعت يداي على المفاتيح، لا أحد يعلم الحرب القائمة داخلي، رقصا معا، أحاط بخصرها وهي وضعت رأسها على كتفه براحة، سيكون كتفي لو خرج فقط الخاتم في الوقت المناسب، تذكرت اللحظة الحاسمة، حين قررت أن أخبرها بمشاعري، في المقهى الذي التقينا فيه أيام الجامعة نحن ثلاثتنا ..
أغمضت عيناي وأنا أعزف ، أخبرتها أن نلتقي هناك، جلست هي تحتسي قهوتها، وقفت خلفها، كان خاتم الزواج الذي اخترته في جيبي، راقبت ظهرها وهي تنظر إلى الواجهة، كان سروال الجينز ضيقا للغاية، أردت أن أخرج الخاتم، لكنه أبى الخروج، رأيت فيصل وهو يتقدم، استغربت قدومه، جلس على ركبته أمامها وهو يقدم علبة حمراء لها ، ويقول :
-هل تتزوجينني؟
ارتعشت يداي، وأنا غير مصدق، كيف لهذا أن يحدث...
راقبت قبولها بالخاتم، وحديثهما الطويل، وقف فيصل وهو يهم بالمغادرة، اقتربت منها رأتني وابتسمت :
-حاتم ؟ لهذا طلبت مني القدوم؟ استغربت اتصالكما في اليوم نفسه، وأن تطلبا مني القدوم هنا
ضحكت مستهزئا من سخرية القدر وقلت لها:
-لو تقدمت لك أنا، هل تقبلين؟
ضحكت:
-من الممكن، لأن أول من سيتقدم لي بالزواج، هو من يحبني فعلا..
اختفت ابتسامتي المزيفة، فأكملت هي:
-أعرف أنك تنظر لي كصديقة لا غير ..
فتحت عيناي مستيقظا من تلك الذكرى المؤلمة، رفعت أصابعي على مفاتيح البيانو، انتهت رقصتهما ، وعلت التصفيقات، اختفيا وسط الحشود، الكل يبارك، والكل سعيد ..
أخذت الخاتم من جيبي ووضعته فوق مفاتيح البيانو ..
انتهى كل شيء ...... ففي النهاية ... هذا يوم زفافكِ
التعليقات