وبينما كنا على حافة الهاوية ! وليس غريبا أن نسقط الآن ، تأتينا رسالة جديدة من صديق قديم يخبرني أن سجائره قد شارفت على النفاذ ، فهل له ببعض من التاباك ليستطيع أن يشحذ همته مرة ثانية ويكمل شهره الرابع في السجن ! لم أعد أمكث في ذاك العنبر قريبا منه كما في السابق ! ليتني لم أفتعل تلك المشكلة مع مدير القسم ! تبا آثار الكدمات ما زالت في وجهي ! تبا لم أشاهد التلفاز ! لم أقرأ الجريدة الأسبوعية منذ أسابيع ، حقا ؟ ، نسيت أن لدي جلسة محكمة تلك الليلة أيضا ! لا بأس ليست مهمة كثييرا حقا مثل الجلسات السابقة ، لن أربح شيئ على كل حال سوى رؤية المدينة في تلك السيارة خلف النافذة وأغلال اليدين ! 

الساعة متأخرة قليلا لا ووجود لشيئ الآن بين تلك الجدران سوى شخص لا تعرفه يسكن معك ، ولكن حقا انه اكثر شخص يعرفك وتشعر به ! ربما نفسه الوحيد الذي يتمنى لك الخير تلك الأيام فهو الوحيد الذي اعتاد على رؤية براءة عينيك كل صباح ومساء ! أما قاضي التحقيق فقد كان يكتفي بتدوين الملاحظات عند السماح لك بالوقوف والتحدث إن أردت لمدة لا تزيد عن 4 دقائق ثم يعاود الشرطي غلق الأغلال في يديك وسرعان ما تأخذ الشاحنة طريقها للعودة إلى ذاك الجحيم ! إنه أسوء من جحيم فهناك عشرات المتهمين بدون أدلة لم يثبت براءتهم ببعد ،، 

كل يوم أشبه بسابقه ! كم الساعة كنا نسأل هناك ، ربما كان الأصح أن نسأل ألديك ساعة صديقي ! 

لم يكن من السهل إقتناء تلك الأشياء بسهوولة ، أيضا من الصعب أن تحصل على جاكيت لا أعرف المغزى من ذلك حتى اليوم لكن اعتادت اجسامنا على البرد وأدمغتنا على الهدوء ، كل شيئ سينقضي كما مر في السابق ! لم يكن حقا هنالك أصعب من تلك الأيام ! 

تبا لم أرى مفاهيما للإنسانية هناك ، تلك التي حدثونا عنها حينما كنا صغارا !!

 فجرا صباحا وجسدا مرهقا من التفكير كالعادة ولكن لم أعتد أن استيقظ باكرا لولا ذلك الشرطي الذي تفاجئت بوجوده فوق رأسي يطلب مني النهوض ووضع يدي فوق رأسي ! ما زلت أشح بنظري بعيدا بجانب الوسادة أخيرا وجدت هاتفي في جيبي تبا انها الخامسة و سبع دقائق فجرا ! انتزع الهاتف من يدي مبتسما ! وأخبرني أرحتني عناء البحث ، ما زلت لم استوعب ما كان يحدث ذاك اليوم فقد نمت متأخرا بعدما أنهيت تمريني في الصالة الرياضية ، حسنا أنهيت الترجمة مع شرطة تبدو وسيمة من أجل صديقي ذاك الذي نفذت سجائره مؤخرا وبعث لي برسالة كتبها وارسلها مع نادل يعمل في المطبخ لقاء مبلغ زهيد جدا لم يكن لديه أحد في الخارج كي يرسل له المال حال الكثيرين من رفقاء القسم فقد كانوا مجبرين على العمل يوميا كي يستطيعوا شرااء علبة سجائر ! ، حسنا لم أفهم ما كانت التهمة لصديقي حقا أو أنني لم استوعب فكيف لي أن أشرحها بلغتي العربية له ، ضحكت قليلا مندهشا مستغربا وأخبرته ثم جلست ما بيدي من حيلة نعم يمكنكم أن تأخذووه ! ولكن سيلزمه مترجم احرصوا جيدا على ذلك ! 

عبس وجه الشرطي الذي أفاقني من النوم وأخبرني سآتي معه ! 

عفوا ؟! اسف سيدي لدي عمل بعد ساعة ولا أستطيع ! 

كأأنه لم يسمعني وطلب بطاقتي الشخصية !،، وأشعل جهازه الخاص واعطى رقمي التعريفي على البطاقة لزميله في المركز ! ثم قال ضعوا الأغلال في يده أيضا ! 

ماذا ؟! أنا !! 

نعم أنت متهم أيضا وستخضع للتوقيف في المرركز ! 

حسنا ربما انا مصدوم بما يكفيني ، سآخذ أشيائي وحقيبتي كي أمر من هناك إلى حيث أعمل في العادة ! لقد منعني من أخذ شيئ وكرر مرة أخرى أنت موقوف ! ولن تستطيع العمل إلى حين يقرر قاضي التحقيق ! 

أدركت الآن حتمية الأمر لقد استيقظت في تلك اللحظة دون الحاجة لشرب كوب من القهوة او اشعال سيجارة في الصباح . تبا .

كما اعتدنا على البرد اعتادت اعيننا على السهر أيضا ، نتبادل القصص بين تلك الجدران نريد أن ينقضي الوقت ولكن سحقا لا ينقضي 

كل شيئ هنا يزكرنا بالماضي بشوارع حينا القديمة بنسيم تلك المدينة الضاحكة وجوه سكانها اتزكر ساحل بحرنا الأبيض المتوسط حينما كنا نسهر ليلا نتبادل الأحاديث ونلعب كرة القدم مع اطفال حينا ! لم يعد هناك حي بقيت ذكراه ومعالمه في عقولنا . 

حتى ذاكرتنا هنا متعبة قليلا ! ربما بعمر ذاكرة أجدادنا حينما طردوا من أراضيهم قبل أعوام ، لم أكن أتخيل أن يحدث احتلال لفلسطين بعد نكبة ١٩٤٨م ، لكننا اليوم نشاهد كل ذلك على التلفاز بعيدين عن أرض الوطن ! 

افتعلنا ضجيجا في كامل القسم الذي أقطن به ! فقد مضى اسبوعا كاملا ولم يهاتف احد المساجين والديه او عائلته ، سحقا لتلك الهواتف اللعينة هل حقا يستغرق كل هذا الوقت لاصلاح هاتف لعين ! سحقا لما نتضطر للانتظار ساعات طويلة لنحظى بمكالمة هاتفية ! ...

يتبع ..