لعلّك قد سمعت من قبل عن مصطلح الميريتوقراطيا ( Meritocratia ) والذي يعني توزيع الموارد والنفوذ والثروات على الناس وفقاً لاستحقاقيتهم وجدارتهم وهو الأمر الذي يتم قياسه بناءً على مهاراتهم الفردية ، نجاحاتهم وانجازاتهم ، ومقدار الجهد المبذول من قِبلهم في الدفع بعملية التطوير ، فكلما ارتقى الفرد اكاديمياً ومِهنياً كلما زاد بشكلٍ طرديّ نصيبه من النفوذ والموارد فقط في عالم " ميريتوقراطيّ " .

وبالرغم من أن هذا التصور عن الحياة يعدّ تصوراً شديد العدالة والمساواة والمنطقية ، وهو تقريباً الصورة " المثالية " للعالم والتي نقلت الينا وغرست في اذهاننا خلال مرحلة التنشئة كمفاهيم أساسية شكلت منظورنا تجاه الحياة الا ان تصور عالم قائم على الميريتوقراطيا لا يعدو كونهُ عالماً موازياً !

في عالمنا الذي نعيشُ به ستجدُ لاعب كرة لا يملك أيّ مؤهلات تعليمية قد يتخطى دخله السنويّ دخل عالمٍ افنى عمره في مجال البحث العلمي ، كما أن نفوذ نفس اللاعب قد يفوق نفوذ كل جامعات الدولة التي ينتمي لها . كذلك قد تجدٌ ممثلاً بلا موهبة ولا قيمةٍ حقيقيّة يصبحُ في سنوات قليلة رمزاً للشاب الناجح المجتهد وقدوةً ومثلاً أعلى لأبناء جيله .

الكثير منّا يُصاب بحالة من الغضب والاستنكار الشديد في كلّ مرّة يتعرّض فيها لأمثلة مشابهة ، ولكن ما السبب وراء هذا ؟

السببُ هو أن "التصور الميريتوقراطي " الذي تربينا عليه وغرس في أذهاننا منذ الطفولة لا يقدم أي تفسير منطقيّ للنمط الذي يسير عليه العالم بالفعل ، هو لا يخبركَ بأن هناكَ أنماطاً أخرى مغايرة يتم انتهاجها فعلياً ، بشكلٍ يجعلنا نفترض في كلّ مره بأن العالم هو " المُخطئ " عوضاً عن أن نفترض بأن النموذج الذي نحمله في أذهاننا غير صحيح . من هذا المنطلق تنشأ حالة الغضب العارم وصبّ اللعنات تجاه العالم .

هذا يعيدني الى موضوع قد سبق وتحدّثت عنه وهو الجُرم الذي نرتكبه بحقّ أنفسنا وأطفالنا حينما لا نُلقي بالاً بزراعة المفاهيم الصحيحة في أذهانهم منذ الصغر ، ولأني مثل الكثيرين قد نشأت وتربيتُ على المفاهيم الميريتوقراطيّة فإنني اتفهم جيداً هذا الغضب وحالة الاستنكار تلك الا انني بالرغم من ذلك لا أجدها مثمرةً بأي شكلٍ من الأشكال .

لذا سواءً كان هدفنا من الحياة هو تصحيح مفاهيمها وتغيير قواعدها لتتوافق مع ما نراه صحيحاً وعادلاً ، أو كان هدفنا منها مجرّد الفوز بلعبة الحياة ؛ فهناك نقطةُ بداية واحدة لابد أن نمر بها جميعاً وهي : فهمُ العالم " كما هو " ..