نحن لا نعيش فقرًا في القيم بقدر ما نعيش تبلدًا في الإحساس. القيم ما زالت موجودة لكنها محاصرة بالعجلة والضجيج والتعود. اعتدنا السرعة حتى صارت المشاعر عبئًا، واعتدنا الحكم حتى صار الفهم تأجيلًا لا يأتي. نمر على بعضنا دون أن نترك أثر دفء، نتصافح بأيدينا بينما عقولنا في أماكن أخرى، ونسمع الكلمات دون أن نصغي لما خلفها.

في هذا المجتمع صرنا نختصر الإنسان في لقطة واحدة، في موقف واحد، في خطأ واحد. ننسى أن الإنسان مسار طويل لا لحظة عابرة، وأن ما نراه اليوم قد يكون نتيجة تعب خفي أو صمت متراكم أو خيبة لم تجد من يسمعها. القسوة لم تعد صريحة، أصبحت مهذبة، تظهر في التجاهل، في البرود، في اللامبالاة التي نبررها بالانشغال.

نحن لا نحتاج أن نكون مثاليين، نحتاج فقط أن نكون منتبهين. أن نمنح الآخرين مساحة للخطأ كما نمنحها لأنفسنا. أن نتذكر أن أبسط أشكال الإنسانية هو أن نشعر قبل أن نحكم، وأن نتوقف لحظة قبل أن نضيف ثقلًا جديدًا على كتف مثقل أصلًا. المجتمع لا يُبنى بالشعارات الكبيرة بل بالتصرفات الصغيرة التي لا يراها أحد لكنها تصنع الفرق.

قد لا نملك القدرة على تغيير الواقع كله، لكننا نملك خيار ألا نزيد قسوته. أن نكون حضورًا مطمئنًا لا عبئًا إضافيًا. أن نغادر الأماكن وقد تركنا خلفنا شعورًا أفضل ولو قليلًا. هذا ليس ضعفًا، بل وعي. وليس مثالية، بل مسؤولية صامتة تجاه أنفسنا والآخرين.

السؤال

إذا كان التجاهل أسهل من الفهم، فهل نملك الشجاعة لنختار الانتباه ولو مرة واحدة في اليوم؟