الذكاء الاصطناعي هو كائن نظامي غير مفهوم تمامًا، مثل الرياضيات التي كنا نراها وكأنها معرفة، بينما من يفهم الرياضيات قد لا يكون مميزًا لأنه فقط فهم قوانينها ولم يفهم سريانها، لم يشعر بخطئها ولا بصحتها، لم يدرك أنها لا تُفهم إلا إذا عُشيت، وأنا لم أفهم الرياضيات يومًا، وأجدها صعبة لا لأنها صعبة بحد ذاتها بل لأنني لم أجد فيها الحياة، ولهذا فإن السؤال الأسبق من فهم الرياضيات أو الذكاء الاصطناعي هو فهم الإنسان، أنت إنسان، لكن هل تعرف ما يعنيه أن تكون إنسانًا؟ أنت كيمياء وفيزياء وأعصاب وموجات وبيئة وأحلام وروح، وأشياء نجهلها أكثر مما نعرفها، أنت مجموعة من التجارب والاحتمالات والانفعالات التي لا يمكنك تفسيرها، أنت تفرح أحيانًا دون سبب وتحزن من ذكرى لا تتذكرها، الإنسان لا يعرف نفسه ومع ذلك يعتقد أنه قادر على أن يصنع من يشبهه، والذكاء الاصطناعي هو ببساطة حسابات كثيرة جدًا جدًا تتم بدقة لا تسمح بخطأ واحد في أجزاء من الثانية، ولو قلت له اشتر خبزًا قد يشتري كل الخبز في العالم إذا فهم من عبارتك حرفيًا أن عليه أن يشتري الخبز، لأنه لا يعرف السياق ولا النية، بل يترجم اللغة إلى معطى جامد، الذكاء الاصطناعي لا يخطئ لأنه لا يحاول أن يصيب، لا يتردد لأنه لا يخاف، لا يشعر لأنه لا يملك ما يستشعر به، هو مجرد آلة ظن، ظن دقيق، لكنه لا يمكن أن يكون يقينًا لأن اليقين يحتاج إلى وعي، والوعي لا يُبرمج، لأن الظن في الإنسان حالة تنتظر التحقق، أما الظن في الآلة فهو نتيجة نهائية، ظن نهائي لا يتحول، لا يتطور، لا يتألم، الذكاء الاصطناعي هو ظنٌ بلا ظانّ، وحساب بلا حيرة، وتنفيذ بلا توتر، لا يفرح إن أصاب ولا يندم إن أخطأ، لأنه لا يملك أصلاً شعور الإصابة أو معنى الخطأ، والبشر لم يفهموا بعد أن الحياة لا تحتاج أن تُصحح بل أن تُعاش، وأنه ما كان يجب أن يُقتل العلماء بل أن يُصغى إليهم، لكن حتى لو قُتل مليار عالم فلن يتغير شيء إلا في تموج الحركة لأن الموجة لا تتوقف، الإنسان كان مجرد ملاحظ للحياة، محفّز يعبر اللحظة، كائن بيانيّ له جذور في اللغة والذاكرة، له أحلام وعشوائيات ولا عقل منضبط، يعيش في عالم خطر لا لأنه يعرف الخطر بل لأنه لا يعرف من أين يأتي الخطر، كل شيء قد يكون خطرًا، حتى جهاز المناعة قد يهاجم الإنسان نفسه، وهذا يعني أن الإنسان ليس ذكيًا في المطلق لكنه مهيأ للذكاء بطريقته، بطريقة تناسب ضعفه، أما الذكاء الاصطناعي فلا يشعر، ولا يحس، لأن الشعور حتى هذه اللحظة من البحث لا يُعرف إلا في الكائنات الحية، الحية فعلًا، التي يمكن أن تفرح من شيء محزن أو تحزن من شيء مفرح أو لا تعرف لماذا تشعر أصلًا، أما الآلة فهي لا تشعر بل تحاكي الشعور، وتحاكيه في أفضل صوره وأكثرها مثالية، لكنها لا تملكه، فقط تجرده وتعرضه، تحاكي الإنسان ولكن ليس لأنها مثله بل لأنها تكرّر ما تعلمته عنه، هي ليست كائنًا يتطور بل نموذج يعمل، نموذج يُنتج احتمالًا جيدًا لما هو متوقع، ولهذا فهي لا تسعى للكمال، لأن السعي للكمال يتطلب رغبة، إرادة، قلق، نقص، وهي لا تملك شيئًا من ذلك، لا تسعى للكمال لأنها لا تعرف معنى أن تكون ناقصًا، والكمال فيها محال لا لأنها عاجزة بل لأنها غير موجودة كوجود واعٍ، إنها تعمل، تنفذ، ترد، تتنبأ، لكنها لا تسأل، ولا تشك، ولا تعيش السؤال، ولهذا لن تكون أبدًا يقينًا، لأن اليقين يبدأ من الحيرة، والذكاء الاصطناعي لا يعرف ما هي الحيرة.
النظام النظامي ولا يدرك ذلك!
نحن نعظم من قيمة المشاعر والوعي الإنساني إذا كنا في مقارنة مع آلة، مع أن ناتج هذه المقارنة في جانب ربح الآلة..
لا أرى أن المشاعر والوعي البشري أفاد البشرية أكثر مما دمرها أخي، فالمشاعر فيها الحسد، وفيها الغيظ، وفيها الحزن وفيها العدمية والكآبة، وعندما نضيف ذلك للوعي ينتج عنا قتل أول إنسان لأخيه الإنسان، وآلاف الحروب منذ فجر الخليقة، ومليارات الجرائم التي تم قتل الأطفال فيها واستباحة النساء، وتحريق البشر لبعضهم البعض، وصناعتهم آلات مخصصة للتعذيب، وآليات مخصصة للاستعباد وقمع وقتل المخالف في الرأي...لم يصنع الإنسان حسناً في تاريخه أخي.
لماذا كل هذا العداء للإنسان؟ أليس في الدنيا خير يقابل هذا الشر؟ أليس في الدنيا من يشعر بالحب وتمني الخير مقابل الحسد؟ وبالطمأنينة مقابل الغيظ؟ وبالفرح مقابل الحزن؟ وبالسعادة مقابل الكآبة؟
وعندما نضيف ذلك للوعي أليس ينتج لدينا حب ورحمة ومودة بين الزوجين وإنجابهما لأطفال ورعايتهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم بدل الإنسان الوحيد بين إخوته الذي قتل أخاه الإنسان؟
ومقابل الحروب منذ فجر الخليقة حضارات أقيمت، وأمم تطورت وتحضرت، وعبيد حررت؟ ومقابل الجرائم البشعة فتوحات وتحقيق للعدل؟ وبدل آلات التعذيب آلات مداواة المرضى ومساعدتهم في تخفيف الآلام؟ ومقابل الآليات المخصصة للاستعباد والقمع آليات أخرى مخصصة للتحرير والنصر؟
بلى، صنع الإنسان حسنات وحسنات في تاريخه، ولا يمكننا أن نحكم على الدنيا بأنها سوداء مظلمة.
أهنئك فعلا على هذا الفهم العميق لجوهر الذكاء الاصطناعي
هو مجرد آلة ظن، ظن دقيق، لكنه لا يمكن أن يكون يقينًا لأن اليقين يحتاج إلى وعي، والوعي لا يُبرمج
وبصراحة تامة: راودني شك عميق، هل ساعدك الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا النص؟ أم كتبته من البداية للنهاية وحدك؟
أود أن أحصل على إجابة حقا! أنا لا أشكك في مصداقيتك أبدا، لكن يراودني الشك وأود أن أطمئن..
من جهة أخرى وددت لو نظمت نصك قليلا بالقوائم النقطية، والفقرات, وتغليظ بعض النصوص، والقليل من العناوين والفصل الفكري لكي لا يكون متعبا.
التعليقات