في قاعة محكمة مزدحمة بالتغطيات الإعلامية، ظهر مارك زوكربيرغ مؤخرًا في جلسة تُحاكم فيها شركته ميتا بتهمة الاحتكار، مع مطالبات صريحة بأن تتنازل عن امتلاكها لتطبيقات عملاقة مثل إنستغرام وواتساب. القضية ليست مجرد خلاف قانوني، بل هي مرآة لصراع أوسع يدور في عالم التكنولوجيا حول كون الاحتكار يقتل روح الابتكار أم يحميها
من جهة، يبدو الاحتكار وكأنه العدو الطبيعي للإبداع. حين تحتكر شركة واحدة أهم منصات التواصل وتسيطر على سلوك المستخدمين حول العالم، تُغلق الأبواب أمام منافسين جدد قد يأتون بأفكار أكثر جرأة وحرية. المنافسة لطالما كانت محرك التطوير، وإذا غابت، ساد الركود، وتحوّل التطوير إلى تحسينات سطحية بدل اختراعات ثورية. في هذا السياق، يبدو أن احتكار ميتا للسوق لا يترك الكثير من الأكسجين لأفكار جديدة كي تتنفس.
لكن من جهة أخرى، يصعب تجاهل الراحة التي يمنحها هذا الاحتكار نفسه للمستخدم. تكامل واتساب، إنستغرام، وفيسبوك في نظام واحد سهّل مشاركة البيانات، والتواصل، وتوحيد الإعلانات وحتى تجربة المستخدم. بدل القفز بين خمس تطبيقات منفصلة، بات من الممكن التنقل بسلاسة في منظومة واحدة، متماسكة. من هذا المنظور، قد يبدو أن التركيز التكنولوجي يُسرّع بعض أنواع الابتكار بدل أن يعطلها.
ما يجعل الإجابة على هذا السؤال معقدة هو أن كلا الجانبين يحملان شيئًا من الصحة. صحيح أن كثرة اللاعبين تُنعش السوق، وتدفع كل طرف للتميّز ليبقى على قيد الحياة، لكن من الصحيح أيضًا أن وجود بنية موحدة تُشرف عليها شركة واحدة قد يخلق فرصًا للإبداع من نوع مختلف... إبداع يقوم على دمج الأدوات وتوسيع قدراتها بدل اختراع أدوات جديدة كليًا.
أعتقد أن الحل ليس في تفكيك الشركات الكبرى بقدر ما هو في مراقبة حدود قوتها. ليس الهدف أن نعاقب النجاح، بل أن نضمن ألا يتحول هذا النجاح إلى حصن يمنع الجميع من الدخول. لأن الابتكار يحتاج إلى ساحة مفتوحة، يتنافس فيها الجميع بعدل.
من وجهة نظرك، هل الاحتكار في المجال التكنولوجي يقيد حدود التطور والإبداع فعلا أم يجعلها تتطور من منظور مختلف؟
التعليقات