نتعامل مع حواسنا الخمس على ضمان، لأنّنا ألفنا وجودها، ولا نشعر بقيمتها إلّا بعد فقدانها أو تغيّرها، لا زلتُ أذكر كيف تحوَّلت حياتي إلى حياة من غير طعم أو بهجة بعد فقدان حاسة الشم عند الاصابة بكورونا قبل سنة.

هناك نوع آخر من فقدان الحواس يأتي من تعاملنا مع التكنلوجيا، فمعيار نجاح الشركات الحديثة هو إنتاج مُنتج لا يجعل مستخدمه يتعنَّى عند استعماله.

والعناء هذا يأتي من القيام بعدّة خطوات خلال عملية استعمال المُنتج للحصول على الفائدة المرجوّة. كلّما قلَّت هذه الخطوات، كان المُنتج أفضل، أو هكذا يُقنعنا التسويق.

المشكلة مع المُنتج الذي قلّل التعنِّي لأقل درجة، هو أنّه يُشرك عددًا أقل من الحواس في عملية استعماله، حواس استعملناها منذ ملايين السنين، ممّا قد يجعلنا أقل تمتّعًا بتجربة استعماله.

شارك أحد الطلاب تجربته مع سيارات تيسلا فقال:

أحب تيسلا، لكنّ سيارتي تبدو كأيفون على عجلات، لا أشعر أنِّي أقود سيّارة، بل السيارة تقودني. أبحث الآن عن سيارة أخرى تُشعرني بشعور القيادة التقليدية.

نفس الأمر ينطبق على الحنين إلى الكتب الورقية مع مستعملي الأجهزة اللوحية والكندل في قراءة الكتب. فتراهم يشتاقون إلى ملمس الصفحات ومنظرها وحتّى رائحتها.

لا أريد أن نعود إلى العصور القديمة التي كانت فيها التكنلوجيا بدائية، فالتطور التقني اليوم له فائدة كبيرة. لكنِّي أعتقد أنّنا نستطيع أن نستمتع بالهوايات التي نحبّها بدرجة أكبر، إذا فعلناها مع قليل من "التعنِّي" ما دام ذاك التعنِّي يُشرك الحواس جميعها.

هذا بدوره قد ينعكس على خياراتنا الحياتية، فربّما نستطيع شراء الجهاز "الأقل حداثة" من آخر صيحات الأجهزة، ونحن مطمئنّين أنّنا سنخوض وقتًا ممتعًا مع هذا الجهاز رغم العناء الإضافي، ما دام يفعّل الدوائر العصبية التي ترتبط بالمتعة والحواس.