أحد الأنشطة الأساسية في حياتي خلال آخر شهر ونصف كان مُشاهدة سلسلة Lost. كنتُ أريد مشاهدة مسلسل تلفزيوني مُنذ فترة، وكانت لدي عدة خيارات أخرى (منها Stranger things وWestworld وGotham)، لكن لسببٍ ما فضّلت البدء بهذا، مع أنه الأقدم من ناحية الإنتاج ولعلّه الأقل جودة. أظنني قطعتُه بسرعة جيّدة، فطُول هذا المسلسل جنوني. تُوجد ستّة مواسم، الطول الطبيعي لكلّ واحد منها عشرون حلقة تقريباً، وإجماليّ حلقات السلسلة 121. أخذ الأمر وقتاً طويلاً جداً، بحيث أن أخي - الذي يعيشُ معي في الشقة - أصبح مُتحرّقاً للحظة التي سوف أنتهي فيها من مُشاهدتها.

الحبكةُ الأساسية تدورُ حول ركاب ناجين من حادثة سُقوط طائرة مدنيّة. تتحطَّم الطائرة على جزيرة استوائية مُنعزلة، ويبدأ الركاب الناجون بالكفاح للحفاظ على حياتهم، إلا أنَّهم يكتشفون أن الجزيرة التي وصلوا إليها غير عادية. المسلسل مليءٌ بالخيال العلمي، والكثير من الأحداث الخرافية العجيبة، التي يصبّ بعضها في القصة الرئيسية (إن وُجدت)، بينما مُعظمها عديمة المعنى والهدف، ومع ذلك فهي مُسليّة بدرجة كبيرة.

القصّة غبية، المؤثرات الفنية تاريخية، تسلسل الأحداث غير مفهومٍ أبداً، ومع ذلك، تجربة المشاهدة مُمتعة، كانت هذه السلسلة طريقة مُمتازة لقضاء الوقت وتجاوز الكثير من الساعات المُملّة والكئيبة في حياتي خلال الأسابيع الأخيرة. إجمالاً، أول موسمين كانا مُمتعين جداً، الرابع مُمتاز، الخامس مُتوسّط. وأما الموسم الثالث، والخاتمة (السادس) فمُشاهدتهما كانت تجربة صعبة وقليلة الإمتاع.

الشخصيات مُمتعة

رُغم ضعف العديد من الجوانب في هذا المسلسل، لكنني أشهدُ له بأن شخصياته مُبدعة حقاً. الفتى السَّمين Hugo والشاب الأزعرُ الذي ينضج مع تقدّم المسلسل Sawyer وغريمه Jack، كُلّها شخصيات فريدة وذات عُمق مستغرب إذا ما قُورنت بالقصة الغبية للسّلسلة. كلّ شخصية لها تاريخ وثيق وعلاقة مُميّزة بجميع الشخصيات الرئيسية الأخرى، تفاعلاتهم معاً مُميّزة وممتعة جداً، فهي تُضفي على السلسلة معظم روحها الفريدة.

العالم فريد

المسلسل مُصوّر - في مُعظمه - على جزيرة حقيقية في أرخبيل هاواي بالولايات المُتّحدة، وهو ينجحُ كثيراً بإيصال جوّه الفريد. الجزيرة مكانٌ غريب، وكبير جداً، وفيها الكثير من المعالم والأماكن الفريدة التي تكتشفُها على مرّ المسلسل، وتعود إليها الشخصيات مراراً وتكراراً. مع انتهائك من مشاهدتها سوف تشعرُ وكأن الجزيرة مكانٌ مألوف لك كثيراً، فسوف تُشاهد الشخصيات وهي تمشي مراراً وتكراراً في أماكن لها تاريخٌ طويل ومهم وحافلٌ بالأحداث في المواسم الماضية من المسلسل، وسوف يقدح لك كلّ مشهد الكثير من الذكريات.

ألغازٌ كثيرة

تُوجد مئات الألغاز، بل الآلاف، ورُبّما عشرات الآلاف، في هذه السلسلة. الأمرُ ممتع في الواقع... لولا أنَّ المؤلف ذاكرته ضعيفة قليلاً، فهو في العادة ينسى من الأساس أنه وضعَ مُعظم تلك الألغاز، وبالتالي لن ترى نهايةً لها أبداً.

كثيرٌ من الدراما

تُريد تفكيك قنبلة ذرية؟ لا مُشكلة، لدينا دائماً شخصٌ يستطيع القيام بذلك. "تباً، لم يُعلّموني في المدرسة كيف أوُقف تسريب اليورانيوم"، لا تقلق، يُوجد كُتيّب تعليمات، يُمكن لصديقك أن يقرأ لك ماذا تفعلُ في حالة تسرّب اليورانيوم من القنبلة الهيدروجينية التي تُفكِّكها.

هذا مشهدٌ حقيقي من الموسم الخامس للسلسلة، وهو ليس نادراً. يُمكن لأحد الأبطال أن يُلقي نظرةً سريعة على آثارٍ للأقدام ويُحدّد عمر صاحبها وارتفاعه وطبقه المُفضّل من الطعام وتاريخ علاقاته العاطفية. الكثير من الدراما الغبية والحبكات الضعيفة التي يخرجُ منها المؤلف بإعطاء قُدراتٍ خارقة لأحد أبطال القصة... يُذكرني كثيراً بنمط أفلام التسعينات، حيث يُوجد دائماً حلّ لكل مشكلة.

كثير من الذكريات

يُذكرني هذا المسلسل قليلاً بإصدارات الأنمي القديمة، عندما يقف الكابتن ماجد أمام المرمى ويركل الكرة ثم يتجمّد الزمن، ومن ثم نشاهد ذكرياته هو والحارس ولاعبي الفريق ومُنظّف الملعب لـ15 حلقة قبل أن نعرف ما إذا كان سيُسجل الهدف أم لا. 50% حرفياً من كل مشاهد لوست هي عبارة عن ذكريات من ماضي الشخصيات (وأحياناً من مُستقبلها!)، الأمر كان مقبولاً في البداية، لكنه أصبح مُزعجاً جداً، بحيث اضطررتُ لتجاوز حوالي عشرين دقيقة من كلّ واحدة تقريباً من حلقات الموسمين الثاني والثالث.

مشهد ولادة كلّ حلقة

لا أدري ما نوعُ المشكلات النفسية لدى كاتب هذا المسلسل، لكن - لسببٍ غامض غريب - فهو يعشقُ لقطات الولادة. كلّ ثلاث حلقات يجبُ أن تظهر امرأة حامل، ويجبُ أن تعاني كلَّ حلقة وأنت تسمع نواحها وصيحاتها وتنظر إلى وجهها الأحمر المُخضَّب بالدم، ومن ثمَّ تشاهد العملية المُقزّزة (سامحوني) لخُروج الكائن البشري حديث الولادة. حقاً... لا أدري لماذا قد يُحبّ أي أحدٍ مُشاهدة هذا القرف، ناهيكَ عن ظهوره كل بضعة حلقات.

نصفُ المشاهد غير حقيقية

أكثر أنواع المشاهد التي أكرهها في أي مسلسل هي الهلوسة، وفي لوست.. تصلُ لقطات الهلوسة حداً غير معقولٍ يُعبّر عن كلاسيكية هذه السلسلة. نصفُ لقطات المسلسل فيها شخصيات غير حقيقية وميتة ووهمية تممشى وتتحدث وتقوم بأفعال تؤثر على الحبكة ومجرى الأحداث، الأمرُ لا يصدق. بعضها يتم تفسيره لاحقاً، ومع ذلك يبقى مزعجاً جداً. أكاد أراهن أن كل شخصية في المسلسل لها لقطة هلوسة واحدة على الأقل.

الحبكات غبية

هذا المُسلسل مليءٌ بالسيناريوهات الكلاسيكية المُزعجة، التي اختفت في المُسلسلات الحديثة جداً، مثل Game of Thrones وWestworld وHouse of Cards. يُمكن لأحد الأبطال أن ينجو من انفجار خمس قنابل ذريّة مُتتالية، لأنَّ المؤلف لا يُريد له أن يموت بعد، وأما عندما يضيقُ الكاتب ذرعاً بالشخصية فيكفي أن تلوي كاحلها ثمَّ تنزف حتى الموت. لا أدري ما السّبب.. قد يكونُ أن النزيف حتى الموت يُعطي الفرصة لمشهد درامي طوله 30 دقيقة يُحاول فيه الجميع إنقاذ البطل دون جدوى، وعندها يحصلُ على فرصة لإعطاء كلماته الأخيرة العظيمة.

الحبكات مُستفزّة

"إلامَ كنتَ تنظر للتو؟"، "لا شيء". يتكرَّر هذا المشهد كلَّما يرى أحد الأبطال شيئاً محورياً شديد الأهمية كان يُمكنه أن يُغيّر كل مجرى الأحداث. جميع مُشكلات المسلسل كانت سوف تنحلّ لو تواصلت الشخصيات مع بعضها قليلاً.

ذاكرة الشخصيات ضعيفة جداً

(تحذير: حرق أحداث)

لا أدري ما الموضوع بالضَّبط، كنتُ أعتقد أن الوصية الأخيرة لجيكوب - عند موته - لوريثه جاك هي أنَّ عليه أن يحمي قلب الجزيرة المَضيء من الرجل الشرير. بعد 10 دقائق يصطحبُ جاك الرجل الشرير بسعادةٍ إلى النفق المُضيء. من يهتمّ...؟ الصداقة أمرٌ جيّد.

النهاية مُريعة

(بدُون حرق أحداث)

لستُ مهتماً بأن أروي لك أحداث النهاية، لأن أحداث المسلسل كُلّه - في مُعظمها - عديمة المعنى. لكن عند الحديث بشكلٍ عامّ، الموسم الأخير بأكمله كان مُريعاً جداً، مُشاهدته لم تكن لطيفة أبداً مُقارنة بالمواسم السابقة، ولم تُعجبني أيّ من تحولات الأحداث، رُغم أني كنت مُتكيّفاً بالفعل مع طريقة سير الأمور غير المفهومة في هذا المُسلسل. لو كنتَ تُريد مشاهدته، فيُمكنني أن أضمنَ لك شيئاً واحداً أكيداً، وهو أنّ النهاية لن تنال إعجابك.

هل أنصحكَ بمشاهدة هذه السلسلة؟

لا أعرفُ حقاً إجابة هذا السؤال. لا أستطيعُ القول أنه مسلسل "جيّد"، لكنه طريقة مُمتعة لقضاء وقت الفراغ (لو كان لديك الكثيرُ منه)، كما أنَّ جوه وشخصياته الحيَّة سوف تُسعدك لو كنت تمرّ بفترة اكتئاب ولا ترغبُ برؤية الكثير من الناس في عالم الواقع. لذا، سألخّص الأمر بأنه ممتاز للترويح عن النفس، إلا أنّه إنتاج فني سيّء.