الدكتور عثمان جيلان معجمي يستنبط معنى جديدا حول قوله تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) سورة الاسراء )

كلمة الأولاد جمع ولد , وتدل على خروج شيء من آخر بقوة ، والولادة معروفة، وما يلده الإنسان يسمى ولد او مولود , بصرف النظر عن كونه ذكرًا أو أنثى , قال تعالى ) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) سورة البلد)

ومعنى خشية إملاق : خوف الفقر ,والاملاق هو الفقر والحاجة والفاقة , واصطلاحا هو وضع اجتماعيّ‌ سيئ , يصيب الأفراد نتيجة الفقر و العوز, وعدم القدرة المادية على مواجهة صعاب الحياة

ملخص اقوال المفسرين حول هذه الآية الكريمة :

. زعم بعض المفسرين أن أهل الجاهلية كانوا يقتلون أولادهم خشية الفاقة , فنهاهم الله تعالى عن ذلك

.وفسر اخرون ان المقصود بقتل الاولاد هو قتل الاناث حيث كان اهل الجاهلية يقتلون الاناث خوف العار

 . وفسر الباقون ان المقصود بذلك هو قتل الاجنة في الارحام ,

اولا تعقيب الدكتور عثمان جيلان معجمي على اقوال المفسرين :

لم يثبت قتل الاولاد الذكور لا في الجاهلية ولا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , والذي ثبت هو وأد البات , حيث كانوا في الجاهلية يأدون الاناث خوف العار كما قال تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) سورة النحل) , (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) سورة التكوير)

 والذين فسروا ان المقصود بذلك هو قتل الاجنة في الارحام , فالآية تتحدث عن الاولاد الذين تمت ولادتهم , وليس الاجنة في بطون الامهات , والجنين سمي جنينا لأنه لم تتم ولادته ,  (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ (32) سورة النجم) , وقتل النفس المحرمة حرام ,سواء كان جنينا تم نفخ الروح فيه او كان مولودا

إذا كان لم يثبت قتل الذكور من قبل ابائهم خوف الفقر , لا في الجاهلية ولا في الاسلام , ولا في زمننا هذا , فما هو المقصود بقتل الاولاد في الآية  ؟ , وهل المقصود بقتل الاولاد هو القتل المعنوي ام القتل المادي ؟ بأن يقوم الوالد بذبح إبنه بيده  باله حادة مثلا ؟ وهل يبلغ من قساوة الاب ان يقوم بذلك ؟؟

الدكتور عثمان جيلان معجمي استنبط معنى جديدا لهذه الآية :

قتل الاباء لأولادهم في الآية السابقة ليس المقصود به القتل المادي ولا القتل المعنوي , وإنما المقصود به هو القتل الغير المباشر , أي ان بخل الاباء على اولادهم , يؤدي الى قتل الاولاد بطريقة غير مباشرة , ناتجة عن تأثير وعواقب ذلك البخل , فالأطفال والمراهقون لهم متطلبات لابد من توفيرها لهم , يريد كل مراهق وشاب ان يحيا مثل الاخرين , فهو يشاهد اقرانه ممن هم في عمره كيف يحصلون على متطلباتهم من الملبس الحسن والاكل اللذيذ , وادوات اللهو واللعب , فهو يريد ان يكون مثلهم , بل احيانا يريد ان ينافسهم , ويكون افضل منهم , وتتسم مرحلة الشباب والمراهقة بصفات مثل الطيش وقلة الخبرة وسرعة الاندفاع ،والقوة والنشاط والعصبيّة وردود الأفعال الانفعاليّة , والسلوك المتهور , ، وذلك بسبب التغيرات الهرمونية , وعندما لا يحصل هذا المراهق او الشاب على متطلباته من ابيه البخيل , فإنه سيسلك طرقا غير مشروعة للحصول على تلك المتطلبات , مثل السرقة والنهب, والعمل مع العصابات أو المخدرات ,او تهريب الممنوعات , والذي يؤدي الى هلاك الابناء وقتلهم , والواقع يشهد بذلك , خاصة ونحن في زمن عمت فيه البطالة , وقلت فرص العمل للشباب وغير الشباب , الا للقليل منهم وبصعوبة بالغة وبمبلغ زهيد , وعن طريق واسطة او بشروط معقدة , حيث يفضل اهل الخبرة والكفاءات والشهادات , والتي لا تتوفر لدى معظم الشباب الجدد , القادمون على الحياة ومعتركها

ثم إن قتل الذرية الذكور مخالف للفطرة البشرية السوية , والقوانين والسنن الالهية التي اخبرنا الله عنها في القران الكريم , قال الله سبحانه وتعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ(20)سورة الحديد) , فالبشر فطرهم الله على حب الذرية من الذكور والتفاخر بهم , ولا يمكن ان يقوم الانسان السوي العاقل بأخذ الة حادة او مسدس او أي وسيلة , ثم يقوم بذبح وقتل ابنه خوف الفقر  

ومن رحمة الله تعالى بخلقه , ولطفه بهم , ان ينبههم الى ما ينفعهم وما يضرهم , ويحذرهم عواقب تصرفاتهم التي يظنون انها تصرفات تنفعهم ولا تضرهم , , وذلك لقصور فهمهم , ومن هذه التصرفات , بخل الاباء على الابناء , حيث يظن الاب ان هذا التصرف هو الافضل لتربية ابنه , وان ذلك سيجعل منه رجلا صبورا مستقبلا , ولا تضره ظروف الحياة وتقلباتها , و لا يظن الاب و لا يخطر على باله ان هذا التصرف سيكون له عواقب وخيمة , وان بخله سيؤدي الى هلاك ابنه بطريقة غير مباشرة , وهنا تأتي رحمة الله بعباده , فينبههم ويخبرهم بخطورة وعواقب هذه التصرفات , وان البخل على الابناء سيؤدي الى قتلهم

الى كل اب , اعلم ان الله تعالى خلق الخلق وتكفل برزقهم , (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) سورة هود) , وتكفل برزقك ورزق اولادك , بل وعدك ان كل ما تنفقه سيخلفه عليك , وبأفضل مما انفقت , (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سورة سبأ) , واعلم يا ايها الاب , ان هذا المال الذي اتاك الله تعالى ليس لك وحدك , بل لأولادك اولا , ثم لك ثانيا , انت لحقه فقط وهم الاساس , (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) سورة الاسراء) , الله تعالى قدم ذكر رزقهم قبل رزقك , نحن نرزقهم واياكم , انت قناة ووسيلة لاستلام رزقهم , والمال مال الله اولا واخرا (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ (33) سورة النور ), فكيف تبخل عليهم وتمنعهم حقهم , وتكون سببا في قتلهم , (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) سورة ال عمران)   

لا تقتل ابنك ببخلك، ولا تحرمه حقه في الحياة الكريمة. فالله رزقك لتكون سببًا في حياة ذريتك، لا في هلاكهم. ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾