قال الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)سورة البقرة)

لماذا ذكر كلمة (( تشكرون)) في الآيات السابقة بعد ذكر صيام شهر رمضان ؟ لماذا ربط الشكر بشهر رمضان ؟ ولماذا حدد الله الهدف من صيام شهر رمضان انه الوصول الى درجة الشاكرين ؟ ستجد الاجابة الشافية ان شاء الله في الكلمات التالية .

تكلم الكثيرون حول معنى الشكر , وجاءوا حوله بتعريفات عديدة , ومنها ان الشُّكْرُ هو عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه، والاعتراف بالنعمة والتحدث بها والثناء على من احسن اليك , قال تعالى واما بنعمة ربك فحدث , وتبقى المعاجم والقواميس العربية هي المرجع الأساسي والصحيح لشرح معاني الكلمات العربية بحيث لا يختلف عليها اثنان , وقد راجعنا القواميس والمراجع العربية لشرح المعنى الصحيح لكلمة الشكر فوجدنا ما يلي : الشكر هو الظهور , وعكسه الكفر وهو الإخفاء , وجاء في قاموس لسان العرب وغيره من المعاجم العربية : أن أصل الشكر هو من قول العرب شَكَرَتِ الإِبل تَشْكُر , إِذا أَصابت مَرْعًى فَسَمِنَتْ عليه , أي أن شكر الدابة لنعمة العلف , هو ظهور أثر هذا العلف في أبدانها ظهورا بينا . يقال : شكرت الدابة تشكر شكرا على وزن سمنت تسمن سمنا : إذا ظهر نماؤها وظهر عليها أثر اكلها للعلف , وعُشْبٌ مَشْكَرَة : مَغْزَرَةٌ للبن ، ودابة شكور : إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل من العلف , أي التي تسمن على قلة العلف وفي صحيح مسلم : حتى إن الدواب لتشكر من لحومهم أي لتسمن من كثرة ما تأكل منها. وكذلك الأرض , تشكر نعمة المطر إذا انزله الله إليها , وذلك بإنبات العشب والكلأ , وهكذا يكون معنى الشكر وهو ظهور اثر نعمة ما , على المنعم عليه

اذن , لدينا ثلاثة عناصر للشكر

  1. النعمة , 2. المنعم , 3. المنعم علية

فالعلف الذي يقدم للدابة هي النعمة , ومالك الدابة الذي يقدم العلف هو المنعم , والدابة هي المنعم عليها , فإذا قامت الدابة بأكل العلف , واصبحت سمينة وكبر حجما , نقول ان هذه الدابة شاكرة لنعمة العلف , بسبب ظهور اثر اكل العلف على جسمها , واذا لم تسمن ولم يزدد حجمها , نقول انها كافرة لنعمة العلف , أي لم يظهر عليها اثر اكلها لنعمة العلف

والخلاصة انه اذا فام المنعم بإعطاء نعمة ما لشخص ما, وتقبلها هذا الشخص المنعم عليه , وتفاعل معها وظهرت عليه آثار هذه النعمة , يكون هذا الشخص شاكرا لتلك النعمة ولصاحبها , وإذا لم يأخذ تلك النعمة ولم يتفاعل معها ولم تظهر عليه آثار هذه النعمة يكون كافرا لتلك النعمة وصاحبها مهما كانت تلك النعمة , ونعم الله على الإنسان كثيرة لا تقتصر على النعم الحسية والمادية , من المأكولات والمشروبات وما يحمل الانسان من الخيل والسيارات , بل تشمل النعم المعنوية والتي تعتبر اهم من النعم الحسية , مثل نعمة العقل والتفكير والتمييز والايمان والهدى والعلم وغيرها من النعم المعنوية , وتبقى اعظم نعمة على الاطلاق , هي نعمة ارسال الانبياء والرسل الى البشرية , بالكتب السماوية التي تعرفهم بربهم , وتنظم حياتهم , ليعيشوا في سعادة في الدنيا والاخرة , ومن اهم تلك الكتب السماوية هو القران الكريم , الذي جاء به نبينا محمد الامين عليه الصلاة والسلام , فالرسالة المحمدية هي اكبر نعمة واعظمها على البشرية , فالمنعم هو الله تعالى , والنعمة هي القران الكريم , والمنعم عليه هو الإنسان , فمن اخذ نعمة القران , وطبق ما فيه من الاوامر , من صلاة وصيام وحج وزكاة , وغض للبصر وحفظ للفروج ونهي عن المنكر , وظهر اثر ذلك التطبيق على اخلاقه ومعاملاته ومظهره , كان شاكرا لنعمة القران , كما شكرت تلك الدابة نعمة العلف عندما أكلته فسمنت وزاد وزنها وظهر عليها اثر نعمة اكلها للعلف , ومنذ ان خلق الله البشر , وعلى مر العصور , يرسل الله رسله بالكتب السماوية , التي تحتوي على التعليمات الهادية للبشرية الى الطريق المستقيم , فإذا قام البشر بتطبيق تعاليم الكتب السماوية , وما فيها من الطاعات , وظهر اثر ذلك على حياتهم في معاملاتهم واخلاقهم وسلوكهم , يكونوا بذلك شاكرين لنعمة تلك الكتب السماوية وما فيها من الهدى , واذا لم يطبقوا تعاليم الكتب السماوية , ولم يظهر ذلك على سلوكهم واخلاقهم ومعاملاتهم , يكونوا كافرين لنعمة تلك الكتب السماوية , وهذا هو الهدف من خلق الانسان على هذه الارض : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) سورة الانسان ) , ولقد من الله علينا بنعمة الاسلام , ورسالة سيد الانام , محمد عليه الصلاة والسلام الذي ارسله بالقران , خير كتاب للأنام : قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164))سورة آل عمران وقال تعالى : (( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) ) سورة البقرة)) , وامر الله نبيه بالتحدث بتبليغ القران (واما بنعمة ربك فحدث) , فاخذ الصحابة هذه النعمة وقبلوها وعملوا بتعاليم القران , فظهرت آثارها عليهم , في سلوكهم ومعاملاتهم , وشهد الله بشكرهم لنعمة القران ,فحينما كان كفار قريش يسخرون من المسلمين الفقراء الذين اسلموا واتبعوا لقران , امثال عمار وبلال , رد الله عليهم ان هؤلاء المسلمين الضعفاء هم الذين شكروا نعمة القران : (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)) سورة الأنعام) , فقد تعجب كفار قريش , واستبعدوا أن يكون هؤلاء الصحابة المستضعفين قد اختارهم الله , ومن عليهم من بين قريش بنعمة القران , فرد الله عليهم أن هؤلاء هم الذين اختاروا أن يكونوا شاكرين لنعمة الرسالة ونعمة القران , بدليل أن آثار الشكر قد ظهرت عليهم في السلوك والتعامل والمظهر الذي يلاحظه الناس عليهم , وقد ذكر الله تعالى اثار نعمة القران على الصحابة , وكيف ارتقت اخلاقهم بالقران , لدرجة ان الرجل منهم يؤثر اخيه على نفسه رغم حاجته وعوزه , قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) سورة الحشر) , ومن الآيات التي تثبت ان الصحابة شكروا نعمة القران , وظهر اثار الشكر على اخلاقهم وسلوكهم ومعاملاتهم ومظهرهم قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) ) سورة الفتح

فهم شكروا نعمة الرسالة التي جاءت من السماء , كما شكرت الأرض نعمة المطر , فأخرجت الزرع والثمر الذي يعجب الناظرين اليه

ولقد عاش الصحابة مع القران , وعلى مدى عشرين سنة , ومن بداية الرسالة , كلما تنزلت آيات وسور من القران , قاموا بتطبيقها والعمل بها , حتى اخر اية من القران , (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) سورة المائدة) , وبعد موته صلى الله عليه وسلم , استمر الصحابة على ذلك , قال الله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) سورة ال عمران) فالله تعالى يقول للصحابة عندما اشيع في غزوة احد ان النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل : ان محمد ما هو الا رسول ارسلته برسالة نعمة القران , وقد بلغ الرسالة اليكم , فعليكم اخذ هذه النعمة وتطبيق تعاليمها , فإذا مات الرسول , فالرسالة موجودة باقية بين ايديكم , فأشكروا نعمة القران , وطبقوا تعاليمها من بعد موته , فقد اكملت لكم هذه النعمة , وانتهى دوره صلى الله عليه وسلم , ولذلك ,وجب على الانسان , اذا بلغ اربعين سنة , ان يتذكر نعمة القران , التي انزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عندما بلغ عمره اربعين سنة , (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) سورة الاحقاف) , وفي شهر رمضان , تجتمع معظم العبادات التي دعا اليها القران , وهي الصلاة والزكاة والصيام , وفيه يعتمر معظم الناس , وفيه يتم التسجيل للحج , وفيه يتجنب الانسان الشهوات , أي ان في شهر رمضان يؤدي المسلمون اكثر الطاعات والعبادات التي دعا اليها القران , فتظهر عليهم اثارها في سلوكهم ومعاملاتهم ويكونوا قد شكروا نعمة القران في نهاية شهر رمضان واصبحوا من الشاكرين , ولذلك قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)سورة البقرة) , فهل عرفتم الان معنى الشكر ؟ ولماذا يصل المسلم بعد صيام شهر رمضان الى درجة الشاكرين؟

اخواني القراء , هذا تعريف جديد للشكر , تم استنباطه من القران الكريم , ومن المعاجم والقواميس العربية , وهو استنباط جديد , لا يوجد في كتب التفسير على حد علمي , ويعتبر اضافة جديدة لمعاني القران الكريم , وقد نشرته قبل سبع سنوات في حسابي على الفيسبوك , وعلى مواقع اخرى , واليوم انشره مرة اخرى , فقد كثر اصدقائي والحمد لله , وفرصة لاطلاعهم على كل معلومة قيمة , والاستعانة بهم لنشرها لتعم الفائدة , والقران مسؤوليتنا جميعا (وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُون (الزخرف - 44)) وتبليغه واجب على كل مسلم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) سورة البقرة ) , وانا استعين بالله ثم بكم لنشر وتوصيل هذه المعلومات للمسلمين , فشارك وانشر بالفيسبوك والواتس والتلجرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي , وتقبل الله منكم , وجعلكم من اهل القران

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المتقين الشاكرين