كلما كبر الانسان المسلم وتجاوز عمره الستين عاما , اصبح راضيا بالموت في قرارة نفسه ومستعدا له , وهي فطرة في النفوس السليمة , خاصة اذا كان هذا الشخص المسن قد فقد شريك حياته , الزوج او الزوجة , وكان بينهما حب ومودة وتعاون واخلاص , فإن هذا الشخص علاوة على رضاه بالموت والاستعداد له , علاوة على ذلك يتمنى الموت , واللحاق بشريك حياته , وفعلا , هناك حالات كثيرة جدا , عندما يموت احد الزوجين اللذين كان بينهما مودة وتآلف وحب واخلاص , يتمنى الشريك اللحاق بشريكه , وما يلبث الا شيئا يسيرا حتى يلحق بشريكه , فإذا كان لديك اب او ام , فعليك تعويضهما بكل ما تستطيع من المودة والحنان والبر والاحسان , والا سيتمنى اللحاق بشريك حياته , وبسبب طبيعة عملي في مجال الطب والمعالجة , شاهدت الكثير من هذه الحالات , ومن هذه الحالات على سبيل المثال , جاء الى صديق من البلاد , حينما كنت ساكنا في صنعاء , في تلك الفترة كان كل من سافر الى صنعاء للعلاج من اهل البلاد يمر على للاستشارة او المساعدة , وصل الصديق إبراهيم من البلاد بصحبة اخيه احمد , واعطاني الاوراق التي تشخص مرضه وتحويله الى مركز الاورام بالمستشفى الجمهوري في صنعاء , لقد تم تشخيصه بورم في الدماغ عن طريق الاشعة المقطعية , سالت اخيه احمد : الم يكن اخاك ابراهيم مغتربا في السعودية ؟ قال نعم , وقد عاد من السعودية قبل بضعه اشهر عندما علم بوفاة زوجته , لقد توفيت اثناء الولادة , لقد حزن عليها كثيرا , حزن انها توفيت وهو غير موجود , تمنى انه لو كان موجودا لعمل شيء ما , اذن ابراهيم حزين على زوجته , وقد اصيب بورم خبيث بعد بضعة اشهر من وفاتها , سالته فقلت له : يا ابراهيم , اصدقني القول , هل تمنيت اللحاق بزوجتك ؟ قال نعم , بل دعوت الله ان يلحقني بها , فقلت في نفسي , وها انت ستلحق بها والاعمار بيد الله , وبعد سنة لحق بها , فرحمة الله تغشاه , واسال الله ان يلتقيا في جنة الفردوس انه هو البر الرحيم
والسؤال هنا , لماذا يلحق الشريك بشريكه عندما يتمنى الموت ؟ هل هناك اسبابا شرعية او علمية تبين سبب ذلك ؟ اقول والله اعلم , ومن منظور علمي , ان كل انسان يحتوي جسمه على خلايا ممرضة , بكتيرية وفيروسية وخلايا سرطانية , كلما حاولت التكاثر يقوم الجسم بالقضاء عليها والحد من انتشارها وتكاثرها بواسطة المناعة الطبيعية التي خلقها الله في الجسم, ولكن عندما يتمنى الشخص الموت , يقوم جسمه بالاستعداد لذلك , وايجاد طريقه لتسهيل موته , فتقل مقاومة الجسم , وتنمو البكتريا والخلايا السرطانية , ويظهر لديه مرض مزمن مميت يستحيل على الاطباء معالجته , مما يؤدي الى وفاته حسب ما تمنى , فمن تمنى الموت جاءته اسبابه , حتى ذلك الذي يتمنى الموت في سبيل الله , تأتيه اسبابه , لكي يتبين صدقه من كذبه (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) (آل عمران - 143) , ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يتمنينَّ أحدُكم الموت لضُرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل: اللهم أَحْيِني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي))؛ متفق عليه.
ثانيا من المعروف ان هذا العصر هو عصر الموت الفجائي , من ذبحة صدرية او نزيف في الدماغ , فقبل ان يتقدم الطب , كان المريض يضل في فراشه مدة من الزمن , يعاني من الامراض المعدية والتي تسببها الكائنات الصغيرة , من بكتيريا وفيروسات وغيرها , وكان افراد الاسرة يتوقعون موت مريضهم في أي وقت , وموته لا يشكل فاجئة كبيرة , ولكن الان , وفي ظل التقدم في مجال الطب , اصبح الموت من هذه الآفات نادرا , فقد استطاع الطب الحديث القضاء على الجراثيم التي تسبب هذه الامراض المزمنة , حتى مرض الايدز , اصبح الانسان لا يموت بسببه الا بعد عقود من الزمن , وذلك بسبب الادوية التي تمنع نمو وتكاثر فيروس الايدز, فيضل الفيروس راقدا كامنا داخل الجسم لسنوات عديدة , كما استطاع الطب الحديث من تخفيف اعراض الاورام وإبطاء نموها , حتى اصبح الانسان يعيش من سنة الى خمس سنوات بعد اكتشاف مرضه الخبيث , والبعض من السرطان مثل سرطان الدم يعيش المصاب عمرا مديدا يستخدم العلاج طيلة حياته
وفي ظل هذا التقدم , يضل الطب الحديث عاجزا عن منع الذبحة الصدرية , والنزيف الذي يصيب الدماغ , والذي يؤدي الى الموت الفجائي , ومعظم تلك الحالات تحدث بسبب تغير الحالة النفسية , خاصة اثناء الغضب , والذي يؤدي الى الارتفاع المفاجئ لضغط الدم وتضيق الشرايين التاجية الموجودة في جدار القلب , فيحدث النزيف في الدماغ والسكتات القلبية , ثم الموت المفاجئ , خاصة في كبار السن , الذين تجاوزت اعمارهم الستين عاما , حيث تصبح لديهم تصلب في الشرايين وضعف وهشاشة في الأوردة , فيصابون بسهولة بنزيف الدماغ والسكتات القلبية عند ارتفاع ضغط الدم اثناء الغضب
اخي القارئ , هل فهمت المغزى من هذه المقدمة , اظن انك قد فهمت , الله تعالى يقول : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الاسراء )
اياك ثم اياك ان تتسبب في غضب والديك مهما كان الامر , فقد يؤدي ذلك الى حدوث نزيف في الدماغ او سكتة قلبية , وتكون بذلك قد تسببت في وفاة تتسبب والديك , ان والديك قد خلقوا في زمان غير زمانك , ونظرتهم الى الحياة تختلف عن نظرتك , ولا يعترفون ان الزمن قد تغير , وان الظروف اختلفت , واعلم اخي القارئ , ان الانسان كلما تقدم في العمر , مسه الكبر وضمرت اعضاؤه , والاخطر من ذلك , ان الشرايين والاوردة الموجودة في القلب والدماغ تصبح متصلبة ضعيفة هشة , وعند اي ارتفاع لضغط الدم اثناء الغضب , قد يودي الى انفجار تلك الاوردة الضعيفة في الدماغ , او او زياد التضيق في شرايين القلب , مما يؤدي الى حدوث ذبحة صدرية , والموت المفاجئ في بعض الاحيان , فهل تريد ان تتسبب في قتل والديك بإغضابهما لأجل شيء دنيوي زائل ؟ لذلك يقول الله تعالى : ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما , وقل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا , عندما كنت صغيرا , كانا يوفران لك كل ما تطلبه كي لا تغضب ولا تبكي , غضبك وانت صغير كان يزعج ابويك , لا يريدانك غاضبا او حزينا , يحرصان دائما ان تكون سعيدا , يمرضان لمرضك , تأتي الام بالطفل الى العيادة وهي كالمجنونة , يا دكتور اسرع ابني سيموت , ارجوك يا دكتور اسرع بمعالجته , يا بنتي اهدئي و صلي على النبي , طفلك يعاني من حمى بسيطة , سنعطيه الان السوائل ومضادات الحمى , وان شاء الله سيتحسن , ومع ذلك لا تكترث بكلامي , ولا تهدأ , ولا تستقر , الا بعد ان تهدأ الحمى ويتحسن طفلها , عندها تعود الابتسامة الى شفتيها , اقول لها بعد ان يهدأ طفلها : يا بنتي قبل قليل وانت كالمجنونة , والان اراك تبتسمين , هل تحسن طفلك ,؟ فتجيب وهي تبتسم , الحمد لله , زالت الحمى , وعاد طفلي يضحك ويلعب , يا سبحان الله , يسعد الوالدان بسعادة طفلهما , ويصيبهما الجنون ويحرمان لذة النوم , اذا اصاب طفلهما ادنى مكروه , واليوم وانت شاب , تتسبب في اغضابهما وقتلهما بسكتة قلبية او نزيف دماغي ؟ اليوم اصبح عقل والديك كعقلك يوم كنت طفلا لديهما , واديا حقك وزيادة , واليوم اصبحا طفلين لديك , فاين حقهما ؟
التعليقات