أحد المبادئ التي أنا مؤمن بها هو مبدأ لين النصيحة عملًا بقول الله تبارك وتعالى في الآية
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾[طه:٤٤]
والمبدأ هو أن الناصح مهما كانت قيمة نصيحته فإذا انتفى فيها شرط اللين تخرج عن كونها نصيحة بل تكون هجوماً وتجريحاً في الشخص الذي يتلقاها.
اللين مبدأ
فإذا رد أحد بأن بعض الناس لا يسمع إلا إذا هاجمته، سأقول أن هذا تصور خاطئ لأن الله تبارك وتعالى أمر نبيه موسى أن يلين الكلام إلى فرعون والذي كان في تلك الفترة يدعي الألوهية كما ورد في الآيات الكريمة،
فمهما كانت جريرة الشخص الذي تنصحه فلن تكون بالتأكيد كجريرة فرعون الذي ارتكب أعظم إثم في التاريخ وجمع معه بقية الآثام كالقتل والاعتداء على الحقوق والمحارم وغيرها؛
العبرة بأمر الله
وإذا قال البعض أن فرعون لم يسمع لموسى في النهاية وبغى عليه، سأرد على هذا بأمرين:
الأول: أن العبرة ليست بطريقة تفاعل فرعون مع موسى، بل إنها في أمر الله تبارك وتعالى لموسى أن يلين الكلام، والدليل على ذلك أن الله تبارك وتعالى جعل أهم خلق في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللين والرحمة وقد جاء في قول الله تعالى
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء:١٠٧].
فلو كان اللين أسلوب فاشل أو غير مجدي ما كان نبينا صلى الله عليه وسلم تميز بأنه رحمة للعالمين.
نفع بلا ضرار
والامر الثاني: إن النصيحة اللينة إن لم تنفع صاحبها لا تضره وستنفع من يسمعها أو يقرئها، كما أن قائلها ستجمع ثوابها سواء استفاد منها أحد أو لا، والعبرة في النهاية بالثواب وليس بإجابة النصيحة أو الأخذ بها،
وقد قال الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[آل عمران:١٥٩].
اللين فوق النصيحة
وهذا ما يجعلني أقول بثقة أن اللين في النصيحة أهم من فحواها وهو الأصل فيها، لأن نصيحتك لو لم تساعد سامعها فلا بد ألا تجعله يشعر بالسوء لأن هذا سيجعله يشعر بيأس أكبر مما كان فيه.
القوة في اللين
ولكن بعض الناس في زمننا يرفض اللين ويعتبره ضعفاً أو تخاذلا أو قلة حيلة من الداعية ، وفي الحقيقة المسألة العكس تماماً فقد قان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
"ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ"[أخرجه البخاري]
وهذا يدل على أن القوي هو الذي يتمتع بالقدرة على اللين في القول والفعل ويمتاز بالرحمة بين الناس، وقد تميز أُولوا العزم من الرسل كلهم بالرحمة والصبر واللين وهذا دليل آخر على أن اللين للقوياء.
الغيرة من الاقوياء
لكن عادة الضعفاء دائما الغيرة من القوي، فعندما نجد من يتمسك باللين بين الدعاة نتهمه بالضعف والخيبة وقلة الحيلة، وما هي إلا نقائص فينا نحن نلصقها فيه لأننا لا نملك الرد على نصيحته، ولا نملك القدرة على اللين والأدب وحسن الكلام.
النصيحة توازن
لذلك أقول أن اللين قوة والقسوة ضعف ولهذا أحاول في نصائحي مع الناس -كوني تربيت في الأزهر الشريف- أن أسمع وأسأل قبل أن أجيب، وأن أزرع الأمل قبل أن أحذر من الفشل، وأن أملأ القلب بالحب لله قبل الخوف منه، لأنه إن أحب الله وعرف طريقه سيخاف منه وحده، أما إذا خاف من الله دون أن يعرف طريقه سيجره الشيطان إلى طريق الضلال من جديد، لأن المبالغة في الخوف أو في الرجاء تسبب الانتكاسة لكن الموازنة بينهما تصنع الإيمان.
لا تنسى قدرة الله عليك
وآخر ما أريد قوله ألا يفرح التائب بتوبته لدرجة تجعله يرى نفسه أفضل من العاصي، فما تاب تائب ولا التزم ملتزم إلا بفضل من الله عليه لما وجد منه إرادة التوبة والمجاهدة في ترك المعصية، فلا تجعل توبتك تجرك إلى الغرور بأن تظن في نفسك الصلاح المطلق، أو أن لك سلطانا على العاصي، وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بَطنِ أمِّهِ في أربعينَ يومًا ثمَّ يَكونُ علقةً مثلَ ذلِكَ ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ ، ثمَّ يرسلُ اللَّهُ إليهِ الملَكَ فينفُخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربعٍ ، يَكْتبُ رزقَهُ وأجلَهُ وعملَهُ وشقيٌّ و سعيدٌ ، فوالَّذي لا إلَهَ غيرُهُ إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها ، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيَدخلُها"[أخرجه الترمذي].
التعليقات