عجلة الإنسان بين الفطرة والحكمة

تأملات في قوله تعالى: {وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولࣰا} [الإسراء: 11]

من صفات الإنسان التي ذكرها الله في كتابه قوله:

{وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولًا}، وهي صفة متجذرة في طبعه، لا تنفك عنه إلا بالتربية والصبر والتوكل. فالعجلة من طِباع البشر، لكنها ليست دائمًا صفة ممدوحة؛ بل كثيرًا ما تكون سببًا في الندم، وسببًا في ضياع فرص أو اتخاذ قرارات خاطئة.

ما معنى الآية؟

يقول المفسرون إن الإنسان بطبعه يميل إلى الاستعجال في طلب الخير، أو التسرع في رد الشر. بل قد يدعو على نفسه أو غيره بالشر عند الغضب، كما جاء في صدر الآية:

{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَـٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَاۤءَهُۥ بِٱلۡخَیۡرِ}.

أي: لا يُفرق في لحظة انفعال بين ما ينفعه وما يضره. فهو عجول في الطلب، عجول في الرد، عجول في الحكم.

لماذا خلق الله في الإنسان هذه الصفة؟

العجلة من طبائع البشر لأنها تعكس نقص علمهم، وضيق أفقهم، وضعف صبرهم. والآية لا تذم "السرعة في الإنجاز" بحد ذاتها، بل تذم التسرع غير المحسوب، الذي لا يصبر صاحبه على نتائج الأمور، ولا ينتظر حكمة التقدير الإلهي.

وقد يكون في العجلة ضرر كبير، بينما في التمهّل بركة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"التَّأنيُّ من الله، والعجلةُ من الشيطان."

مظاهر العجلة في حياتنا اليوم:

  1. نريد نتائج فورية لتعبنا، ولا نصبر على مراحل البناء.
  2. نتسرع في إطلاق الأحكام على الآخرين، قبل التبيّن.
  3. نندفع في قرارات مصيرية دون استشارة أو تأنٍ
  4. نُصاب بالقلق إذا تأخرت الإجابة على دعائنا، رغم أن الله يعلم الوقت الأنسب.

كيف نُعالج هذه العجلة؟

1. بالثقة في حكمة الله: فالله لا يؤخر شيئًا إلا لخير، ولا يمنع إلا ليعطي.

2. بالتفكر في العواقب: فالتأني يقي من كثير من الأخطاء.

3. بمجاهدة النفس: أن ندرّبها على الصبر، ونربّيها على التمهل.

4. بالعلم والتعلم: فالعجول لا يتروّى، والمتعلم يبحث ويفكر قبل أن يتخذ خطوة.

رسالة المقال:

الإنسان العجول قد يخسر الكثير، بينما المتأني يظفر بالحكمة والبركة.

فلنتأمل جيدًا قول الله: {وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَجُولًا}، ونفهم أن هذا وصفٌ يحتاج إلى تهذيب لا استسلام، وإصلاح لا تبرير.

فلنكن ممن قال الله فيهم:

{وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ}، ولنجعل من التأنّي خُلقًا، ومن الثقة بالله سَكينة، فنُفلِح ونطمئن.