من مفسدات القلوب (كثرة الكلام)

الكلمة سلاح ذو حدين، قد تكون سببًا في رفعة الإنسان وقربه من الله، وقد تكون وبالًا عليه، تُثقله بالذنوب وتُفسد قلبه. ومن أعظم ما يفسد القلب ويبعده عن نور الإيمان: كثرة الكلام بلا فائدة، فاللسان حين ينطلق بلا ضابط، يوقع صاحبه في الزلل، ويشغل القلب عن الذكر والخشوع، ويزرع في النفس الغفلة.

لماذا تُعد كثرة الكلام مفسدة للقلب؟

  1. تؤدي إلى كثرة الزلل والخطأ
  • قال النبي ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (متفق عليه).
  • الكلام الكثير يفتح أبواب الغيبة والنميمة والكذب والمبالغة في الحديث، مما يُفسد القلب ويُثقله بالذنوب.
  1. تشغل القلب عن الذكر والفكر
  • القلب الذي يعتاد على كثرة الحديث يصبح ضعيفًا في الذكر، قليلًا في التدبر، بعيدًا عن التأمل في آيات الله.
  1. تُميت الخشوع وتُقسي القلب
  • عندما ينشغل الإنسان بالكلام طوال الوقت، يضعف استشعاره لعظمة الله، وتقل تأملاته في أعماله وأقواله، مما يجعله أقل إحساسًا برقابة الله عليه.
  1. قد تُورث الجدال والمراء
  • كثرة الكلام تؤدي إلى كثرة الجدال، والجدال غالبًا لا يكون للبحث عن الحق، بل لإثبات الرأي والتفوق على الآخرين، وهذا مما يفسد النية والقلب.
  1. قد تكون سببًا في كشف الأسرار وإفشاء الخصوصيات
  • قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا تم العقل نقص الكلام"، فالعاقل يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، أما كثير الكلام فقد يقول ما يندم عليه لاحقًا.

كيف يتجنب الإنسان كثرة الكلام؟

  1. ضبط اللسان ومراقبة النفس
  • ليكن شعار المسلم: "الكلام زكاة.. لا تخرج إلا ما هو نافع".
  1. التفكر قبل الكلام
  • هل ما سأقوله مهم؟ هل فيه خير؟ هل قد يضرني لاحقًا؟
  1. الانشغال بالذكر وقراءة القرآن
  • القلب المشغول بذكر الله، لا يجد وقتًا للثرثرة والكلام الذي لا فائدة منه.
  1. تعلم الاستماع أكثر من الحديث
  • قال أحد الحكماء: "إذا أردت أن تكون محبوبًا، فكن مستمعًا جيدًا".
  1. التقليل من المجالس التي تكثر فيها الأحاديث الفارغة
  • بعض المجالس تمتلئ بالقيل والقال والحديث عن الناس، والابتعاد عنها يحفظ القلب من هذه الآفات.
قال عمر رضي الله عنه: " من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه ".
قال المناوي:" كثرة الكلام تتولد عن أمرين: إما طلب رئاسة يريد أن يرى الناس علمه وفصاحته، وإما قلة العلم بما يجب عليه في الكلام " أي: ينسى أنه محاسب على فلتات لسانه ومنتجات فمه، فيكثر كلامه وإن كان فيه الهلاك.
قال الحسن البصري: " كانوا يقولون إن لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه ".
"تاج الوقار وحسن سمت المسلم.. صمت المليء وحكمة المتـكلِّم"
وقد جعل أبو الدرداء رضي الله عنه قلة الكلام من علامات الفقه ؛ ما هو بغزارة العلم ولا كثرة الرواية، فقال رحمه الله: " من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه ".
هل لا بد لأحياء القلوب أن يكونوا قليلي الكلام؟! الجواب: كلا، وليس إذا كان الكلام صحيحا وفي الخير؟! ولذا لما عيب إياس بن معاوية بكثرة الكلام قال: وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: " فالإكثار من الصواب أمثل ".

الخاتمة

كثرة الكلام ليست مجرد عادة سيئة، بل هي مفسدة للقلب، تُضعف إيمان الإنسان، وتبعده عن التأمل والخشوع، وقد توقعه في الذنوب التي يستهين بها في البداية، لكنها تثقل ميزانه يوم القيامة. قال رسول الله ﷺ: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم" (متفق عليه).

فليكن لساننا عامرًا بالخير، وقليلًا فيما لا فائدة فيه، فإن القلوب لا تصفو إلا حين تصمت عن اللغو، وتنطق بما يُرضي الله!