عُرضت عليّ دعوى أحوالٍ شخصيّة عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بالسيب بسلطنة عمان، كانت تتضمّن طلباتٍ بنفقة العدة، والمتعة، والصداقِ المؤجّل، فكان الحكم – بفضل الله تعالى – نتاج بحث دار حولَ الأمور المذكورة، وخلاصة ذلك، ما يأتي: أوّلاً: طلب نفقة العدّة: "من المعلوم فقهاً أنّ أهل العلم اختلفوا في وجوب نفقة العدة للمطلقة طلاقاً بائناً، والمحكمة ترتضي العمل بالقول بأن لا نفقة لها ما لم تكن حاملاً؛ لحديث فاطمة بنت قيس عند مسلم برقم: (1480) أنه طلقها زوجها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: لأعلمنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئاً، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لا نفقة لك ولا سكنى)، وكان طلاقها باتّاً كما ورد في روايات أخرى، ولا ينال من العمل بذلك أنّ قانون الأحوال الشخصية طبقاً للمادة (52) نصّ على أنه "تجب على الزوج نفقة معتدّته ما لم يتفق على خلاف ذلك"؛ إذ المعتدّة المقصودة هنا هي المطلقة طلاقاً رجعيّاً؛ لأنها معتدّة الزوج حكماً، أما المطلقة طلاقاً بائناً فليس هو زوجاً لها وليست هي زوجة له لا حقيقة ولا حكما، وهو ماتفيده المادة (87) من قانون الأحوال الشخصية، ولا يمكن أن يقال بأنه يحمل لفظ الزوج في المادة على المجاز باعتبار ما كان؛ إذ القاعدة أنه لا يحمل اللفظ على المجاز عند إمكان حمله على الحقيقة، وحمل اللفظ هنا على الحقيقة ممكن بقصره على الزوج بالنسبة للمطلقة طلاقاً رجعيّاً، ولا يمكن حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز في آنٍ واحد على قول عند علماء أصول الفقه، وعلى هذا يكون حكم النفقة للمطلقة طلاقاً بائناً مسكوتاً عنه في القانون، وعليه فلا مناص من الرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية طبقاً للمادة (د/281) من قانون الأحوال الشخصية، فلمّا كان طلاق المدعية طلاقاً بائناً قضت المحكمة برفض طلبها، وثانياً: طلب المتعة: "من المعلوم فقهاً أنّ المتعة هي مال يدفعه الزوج لامرأته بسبب فراقها بطلاق أو ما في معناه، وقد اختلف أهل العلم في حكمها؟ والجمهور على الوجوب، واختلفوا في المطلقّة طلاقاً بائناً المدخول بها هل لها المتعة أم لا؟ والمحكمة ترتضي العمل بالقول بوجوبها لها، لعموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين} [سورة البقرة:241]، ولفظ المطلّقات عامّ لكل مطلّقة، ولا يخصّص هذا العموم قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} (البقرة:236)؛ إذ ما ذكر في الآية الأخيرة فرد من أفراد عموم الآية الأولى، وهو المطلّقة غير المدخول بها التي لم يفرض لها صداق، والتخصيص يكون عند تعارض عامّ وخاصّ، أمّا في هذا الموضوع فلا تعارض، بل هو تأكيد حكم العامّ لبعض أفراده؛ إذ الحكم العامّ هو الحكم الخاصّ ذاته، وذكر فرد من أفراد العموم لا يخصّص العام، وعلى هذا المحققون من علماء أصول الفقه، قال الإمام نور الدين السالمي - رحمه الله - في شمس الأصول: كذاك أيضاً لا يخصّ حكمه ...بذكره لبض ما يعمّه يعني إذا أسند للعموم ...ثم أتى لبعضه المعلوم فلا يخصّ ذكره للبعض ...وقال بعض بالخصوص يقضي كما اختلف أهل العلم في اعتبار المتعة، أهي على حال المطلّق أم المطلقة أو كليهما؟ والمحكمة ترتضي الأول؛ لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} (البقرة: من الآية236)، وعلى ما ارتضت المحكمة في الأمرين - وجوب المتعة للمطلقة طلاقاً بائناً المدخول بها المفروض لها صداق، واعتبار حال المطلّق - جرى قانون الأحوال الشخصيّة طبقاً للمادة (91) حيث نصّت على أنه "تستحقّ المطلّقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلّق"، فلمّا ثبت للمحكمة يُسر المدعى عليه فقد قضت بإلزامه بالمتعة ألف ريال عماني (1.000ر.ع)، وثالثاً: طلب الصداق المؤجل: "من المقرّر قانوناً طبقاً للمادة (أوب/24) أحوال شخصية أنه: "يجوز تعجيل الصداق أو تأجيله كلاً أو بعضاً حين العقد، ... ويستحق المؤجل منه بالوفاة أو البينونة ما لم ينص في العقد على خلاف ذلك"، فلمّا ثبتَ بإقرار المدعى عليه أنّه قد فرض للمدعية صداقاً مؤجّلاً قضت المحكمة بإلزامه بذلك، وفي الحكم المرفق بالمقال تفاصيل ومواضيع أخرى كالحضانة والزيارة ونحوها.