تابعت فيلم لوثر 2023 قبل أيام، والذي يتبع قصة المحقق البريطاني جون لوثر (إدريس إلبا) وهو يلاحق قاتلاً متسلسلاً شريراً يدعى ديفيد روبي (آندي سيركيس). يصرّح روبي في نهاية الفيلم على لسان الشخصية الشريرة بما معناه أن من يظنون أنفسهم أخياراً مستعدون لارتكاب نفس فظائع الأشرار، بتوفر شروط معينة. هذه المقولة تطرح تساؤلاً مهماً عن طبيعة الخير والشر في الإنسان، وعن مدى تأثير الظروف والمحفزات على سلوكه.
هل الإنسان خير أم شرير بطبعه؟
هذا سؤال قديم ومعقد، وله إجابات مختلفة من منظورات فلسفية ودينية وعلمية. بعض الفلاسفة، مثل روسو وكانط، يرون أن الإنسان خير بطبعه، وأن المجتمع هو الذي يفسده. بعضهم الآخر، مثل هوبز ونيتشه، يرون أن الإنسان شرير بطبعه، وأنه يحتاج إلى قوانين وأخلاق لكبح جماحه. بعضهم الثالث، مثل أرسطو وهيوم، يرون أن الإنسان لا يميل إلى الخير أو الشر بطبعه، بل هو كائن عقلاني واجتماعي يستطيع اختيار سلوكه بحسب المصالح والقيم.
ما هي الشروط التي تجعل الأخيار يصبحوا أشراراً؟
إذا افترضنا أن هناك أخياراً وأشراراً في العالم، فما هي العوامل التي تدفع بعض الأخيار ليصبحوا أشراراً؟ هذا سؤال نفسي واجتماعي له إجابات متعددة من دراسات علمية وتجارب حقيقية. بعض هذه العوامل هي:
- الضغط: حين يتعرض الإنسان لضغط نفسي أو جسدي أو اجتماعي شديد، قد يفقد صبره وثقته وأخلاقه، ويصبح عدائياً أو عنيفاً أو انتقامياً. مثال ذلك تجربة سجن ستانفورد، التي أظهرت كيف تحول طلاب جامعيون عاديون إلى سجانين وسجناء وحشيين، بسبب الدور الذي ألعبوه في تلك التجربة النفسية.
- التأثير: عندما يتأثر الإنسان بآراء ومعتقدات الآخرين أو أفعالهم، قد يتبنى سلوكهم دون تفكير أو نقد، خاصة إذا كانوا مقربين منه أو موضع احترام من طرفه. مثال ذلك تجربة ميلغرام، التي أظهرت كيف أطاع غالبية المشاركين تعليمات باحث يطلب منهم تعذيب شخص بالكهرباء، رغم سماع صراخه واستغاثته.
- المصلحة: عندما يجد الإنسان فرصة للحصول على مكاسب مادية أو معنوية أو سياسية، قد يغض الطرف عن المبادئ والقيم، ويمارس أفعالاً غير أخلاقية أو غير قانونية. مثال ذلك فضائح الفساد والرشوة والاحتيال والاختلاس التي تورط فيها بعض الساسة والمسؤولون والأثرياء على مر العصور.
هل يمكن للأشرار أن يصبحوا أخياراً؟
إذا كان بوسع الأخيار أن يصبحوا أشراراً، فهل يمكن للأشرار أن يصبحوا أخياراً؟ هذا سؤال إنساني وأخلاقي له إجابات متفائلة ومتشائمة. يرى البعض أن الإنسان قادر على التوبة والتغير والتطور، إذا وجد دافعاً قوياً لذلك، سواء كان دافعاً دينياً أو عقلانياً أو عاطفياً. مثال ذلك قصص التائبين من بعض المجرمين وغيرهم. في المقابل، يرى آخرون أن الإنسان لا يستطيع تبديل طبيعته الشريرة، ما دام مصراً على اقتراف الأفعال البشعة حتى تصبح عادة لديه. مثال ذلك قصص الإرهابيين والقتلة المتسلسلين.
استنتاجات ختامية:
فيلم لوثر 2023 يعرض لنا رؤية قاتمة للإنسانية، حيث يظهر لنا كيف يستغل قاتل شرير نفوذه وثروته لابتزاز الآخرين وترويعهم، وكيف يحاول جعل المحقق لوثر يفقد إيمانه بالخير والإنسانية. هذه الرؤية تدفعنا إلى التفكير في مفهوم الخير والشر في حياتنا، وفي مسؤوليتنا تجاه أنفسنا والمجتمع. هل نحن أخيار أم أشرار بطبعنا؟ هل نحن قادرون على التوبة والتغير والتحسن؟ هل نحن مستعدون للتضحية بالخير من أجل المصلحة، أو بالشر من أجل الضمير؟
كل هذه الأسئلة، ليست لها إجابات بسيطة أو جاهزة، بل تعتمد على قناعاتنا وخياراتنا وأفعالنا. وربما لا يوجد في الواقع أخيار وأشرار بشكل مطلق، بل هناك إنسان معقد ومتناقض، يمكن أن يكون خيراً أو شريراً، حسب الظروف والدوافع.
التعليقات