عن اللى في بطن الكذب ..

فى برا المنهج، وبعد ما تم ذكره من أشباح، احنا قدام فيلم طلّع اللى فى بطن الكذب، وانه مش مجرد الحاجه الساذجة اللى من نوع " لو اتصل قوله أنا مش موجود، أو معلش الطريق كان زحمة، أو خسيتى عن امبارح …"، ولا هو شوية حاجات تتعمل من برا فنبقى كويسين ..دى نظرة سطحية للتعامل مع الكذب، ومضللة كمان، احنا هنا مش عشان نتكلم ازاى نبطل نكذب فى 5 خطوات، يمكن دا ينفع مع تعلم لغة أو اكتساب مهارة جديدة..

وبص معايا كده حكاية أحمد وحيد ولحظة كشف سره، كان بيلعب دور الإعلامى اللى ذاع أخبار النصر وقت الهزيمة ف 67 وهنا الكلام مش عن التاريخ ولا عن مشكلة هزيمة فى حرب، لكن عن كذبة كان وراها دماغ بتقول لازم نبان جامدين ماينفعش نفشل أو ننكسر، دا تحديدا اللى فى بطن الكذب.. دوافع الإنسان وأسبابه اللى بتحركه للكذب بموافقته سواء أدرك دا، أو لم يدركه من كتر الاعتياد على تبني الكذب كأسلوب حياة ..

الكذب بنصنعه ولا بنقع فيه ؟ ..

قصة المراكبي عن ان الكذب مش بيجي صدفة أو لعنة نطت جواك وأنت أجبرت عليها ولا هو حفرة بتقع فيها بدون قصد إنما اختيار لطريق بيشوه ملامح صاحبه وبالتالى مجتمعه، المراكبي رغم التعاطف معاه لكن محدش أجبره يلبس هذا الشبح، احنا اللى بنختار نلبس أشباحنا عشان نكونها، ومفيش حاجه من براه ياخدها ترياق ينجيه من عالم الكذب اللى صنعه، زى ما اختار يكون شبح يقدر يختار مايكونش ،وفى الاخر اختار مايكونش،رغم احتمال وجود خساير.. الكذب مصنوع ،مفيش كذب مش مصنوع.

بأتخيل لو المراكبي هيحكي خلاصة خبرته هيقول ان الكذب مش عايزك زى ما أنت أو بالاولى أنت اللى عايز الكذب عشان ماتبقاش زى ما أنت.. ولما ماتبقاش زى ما أنت ماتعرفش أنت مين، هتسمى نفسك باسم تانى وهتوافق على أي اسم، هتسمى حتى مشاكلك بغير اسماءها عشان تمشي مع غرض كذبتك وحسب مراياتك لتجنب الحقيقة، تزوير زى اللى كان فى أخبار النصر واصطناع البطولة ..

لحظة التحول ..

عشان كده الفيلم بيقول فى الاخر نور هو نور، أحمد وحيد هو هو ذات الشخص.. رِجعوا لنفسهم بعد ما كانوا بيسموا كل حاجه بغير اسمها، ولحظة ما الحاجات اتسمت باسمها والقصص اتقالت صح وواجهوا كذبهم شوف اللى حصل لنور، دا ظهر فى مشهد ال Point of no return نقطة التحول اللى فيها نور رفض يكون زى أحمد وحيد وقرر يروح قدام طابور المدرسة وخطف المايك من ناظر المدرسة اللى كان بيقول أحلى كلام وشعارات عن حالنا "قصيدة وقف الخلق ينظرون…!" وشوف بقى قصد ودقة اختيار كلمات القصيدة دى، الشعارات الرنانة والإكلاشيهات اللى حتى لو بتقول درر بس مش هي الحقيقة ولا بتمثل صاحبها ..وإذ بنور يتكلم قدام المدرسة كلها.. ويفضح أمر نفسه واللى حواليه بما فيهم الناظر اللى كان عايزه يتوسطله عند الشبح عشان يجوّز بنته ،والاستاذ اللى عايزه يفُكِله الرابطة اللى بينه وبين مراته!.. ومن ساعتها وهو نور ، من بعد ما رفض يكون زى أحمد وحيد اللى استسلم لشبحه، ورغم انه قاله "مش يمكن الناس عايزه تسمع كذب" ولكن فى المشهد التالى نور رفض يسمعهم كذب تانى لما قرر انه هيقول الحقيقة..ويقول كمان لكل حد لو هتشوف ايه اللى العالم عايزه وبس ..هتكون أسير أكاذيبه، وأكيد كلامك هيبقى للعرض فقط ،هتقول ما لا تعمل ، وغالبا مش هتعمل حاجه أصلا أصيلة من جواك، من نفسك- زى ما لأول مرة عمل نور فى مشهد الطابور- ويجوز تنتظر إملاءات محيطك عشان تتعامل وتَسلُك تبعا للتأقلم "الكاذب"مع البيئة الخارجية، على طريقة سوف أتلون لأحصل .. بغض النظر عن ايه اللى هتحصل عليه ..

الفيلم لما تشوفه هيجاوبلك على السؤال اللى قد يتبادر لذهنك ليه أبطال الفيلم اللى شبهنا مش عايزين الحقيقة ، ليه؟.. عشان الخوف، نفس الخوف اللى بيخلي عماشة يكذب هو اللى كان بيخلي المراكبي يلبس شبح، كل أفعال عماشة قبل لحظة التحول خوف.. عمرو سلامة حط الخوف فى الفيلم واحد من الدوافع الأساسية للكذب، الفيلم عن كذبنا اللى بسبب الخوف ..

عن Liar Liar والإعلانات ..

و على طريقة كلام ناظر المدرسة ف برا المنهج، الكلام الكبير اللامع ،وزيها المبادئ، اللى تتحول لشعارات بسهولة وتتزيف، بيحصل برضو دا فى كتير من الإعلانات – بعيدا عن ان فيه إعلانات دمها خفيف يعني – وقبل ما تعتبر دا مبالغة، اتفرج على النوع دا م الاعلانات وشوف تأثيره علينا بيكون ازاى، واللى فيه عدة النصب عادةً بتكون استخدام كلام أنيق شيك مع شخصية معروفة واحيانا مع بعض نوستالجيا تربطلك المنتج بيها عشان تبيعلك (يحضرنى أشرف عبد الباقي فى خالي من الكوليسترول).. مع الاعتذار للإعلانات ،إن وجدت،اللى بتستخدم الأدوات دي كوسيلة لترويج معلومة حقيقية عن منتج حقيقي مش فنكوش ..

و مع ذكر الإعلانات النصابة نيجي بقى عند Liar Liar ، دا فيلم Comedy genre وجيم كارى "فليتشر" وصّل المعنى بأدواته الكوميدية وأصاب الهدف، الحكاية عن محامي ، يعني مهنته الكلام ، شبه النوع دا من الإعلانات.. النصب بالكلام لعبته ووسيلته، معاه عدة نصب بيلف بيها على الناس يشوف ايه اللى عايزه كل واحد كما يظن ويبيعهوله بالكلام ..منطق برضو، وفى يوم ابنه الطفل "ماكس"، واللى فليتشر مش بيوفي وعوده معاه، اتمنى أمنية -يوم عيد ميلاده- ان أبوه مايكذبش لمدة يوم واحد، بس المشكلة ان فليتشر عنده قضية مهمة فى نفس ذات اليوم بتاع الأمنية ولازم يستخدم سلاحه المعتاد عشان يكسبها، الفيلم تحفة فنية، بيحكي عن الرغبة و المصلحة اللى فى سبيلها بتخللي صاحبها كذاب، فى الفيلم كانت الرغبة هى نجاحه كمحامي بدون استحقاق نجاح مبنى على استخدام الكذب، وعلى حساب الناس اللى حواليه، و دا الدافع التانى للكذب طمعان فى حاجه ،عايز حاجه.. مكسب ..منصب او شهرة، مال، احتياج، علاقة، سلطة أو أي مصلحة غير معلنة وأسهل طريقة هى الكذب.. لحد ما فقد قدرته على التواصل الحقيقى مع الناس ومع ابنه ومراته، فليتشر مش بيشوف غير نفسه والناس هى وسائل لأغراضه..

وطول الفيلم احنا مع البطل فى صراع ازاى يقاوم اللعنة اللى أصابته ؟؟ والعظمة ،مع الاعتذار للحرق لمن لم يشاهد الفيلم، انه بعد مشهد الذروة ،أو ما يعرف سينمائيا Climax لحظة ما راح يلحق ابنه قبل ما يبعد ويسافر مع أمه خارج المدينة، بعد المشهد دا كانت انتهت مدة اليوم وتم إبطال مفعول اللعنة، عشان يكتشف انه مابيكذبش!! ولما يبص فى الساعة ويعرف انه يوم جديد و ان اللعنة انتهت ومش مجبر يقول الحقيقةورغم كده بيقولها ، بس المرة دى هو اللى بيختار يقولها ، عشان يرجع إنسان بلا أقنعة مش محتاجها عشان يكسب بيها ..

أمثالنا الشعبية و Liar Liar ..

فى أمثالنا المصرية بنقول الكذب مالوش رجلين ، أمثال بتقولك خاف تكذب عشان ماتتكشفش .. مفيش أمثال فى وصف الكذب مثلا "الكذب فى عين أمه غزال أو ف عين أبوه عادي" حاجة كده تقول ان فيه حالة عمى مع الكذب، وماشوفتش أمثال تحببك فى الصدق.. يمكن فيه "الصدق بينجي" بس برضو ..خليك صادق عشان تنجو من الموقف الوحش، أو يمكن عشان تنجو من تحولك إلى شبح بوجود مشوه غير أصيل؟ اتمنى طبعا تكون التانيه، ولو خلاص بقى مُصرين ع الكذب فيلا نحل حكاية "الكذب مالوش رجلين" دى ونظبطها ونعمل " كذب مساوي ولا صدق منعكش" شايف احنا بنتحرك منين؟..

دا مش مجرد كلام بنقوله دى قناعاتنا اللى بتحركنا..الدافع هو خاف تكذب لحسن تنكشف أو عشان ماتنكشفش فأنت مضطر تقول كلام صدق، لكن Liar Liar كان واضح فيه انه مش مجرد مابقاش يكذب بالكلام انما هو نفسه مابقاش كذبة بقى حقيقي من لحم ودم، استرد انسانيته.. الفيلم بيقولك ان المشكلة جوا فليتشر مش براه، وبيقول انه مفيش حد هيأثر فى دوايره المحيطة إلا لو صادق مع نفسه، فليتشر مافرقش مع اللى حواليه إلا لما بطّل يتاجر باستخدام الكذب عشان أغراضه …

وبمناسبة التأثير وذكر Pay it forward فـ نَظره عليه هتشوف يقولك ايه عن حلم التأثيرفى العالم، العالم اللى بيتغير من خلالنا، وهيقولك انه حتى لو العالم ماتغيرش كما يجب فيكفي أثرك المتروك..

أخطر كذب ..

زي ما اتكلمنا قبل كده، أكيد كلنا جه علينا وقت كذبنا فيه بدءا من الكذب اللى بيمشّي الدنيا دا ..لحد الكذب أبو شر المؤذي لينا وللى حوالينا، لكن سيبك من التصنيفات والألوان.. أخطر كذب على الإطلاق مش الكذب على العالم حواليك إنما كذبك على نفسك، لإنك ساعتها ببساطة هتكون مَعمي فاقد القدرة على الرؤية.. دا اللى بيحولك من حد تعثر وهيقوم، لحد كذاب مع سبق الإصرار والترصد، مختار الكذب طريق اعتاده لحد ما بقى بيعمي بيه نفسه عن أى نور، بقى حِته منه مايعرفش يعيش من غيره.. ومايعرفش يشوف أى حاجه غيره..

و أما عن العمى، فهو أكبر عقاب بيهديه الكذب لصاحبه، وهنا عمرو سلامة بيعمل زوووم ان فى مشهد رائع لما البنت قدمت لـنور النضارة اللى أختها جابتهاله هدية وبعدها كان قادر يشوف بيها كويس بالتزامن مع انه بقى يقول الحقيقة..

درس أخير من "برا المنهج" بيقول .. كذبك على نفسك مش هيخليك تشوف كويس لأنك هتبقى معمي عن حقيقة نفسك والعالم حواليك، عايز تشوف كويس ألبس نضارة كويسة …

فى النهاية احنا ولاد أكاذيبنا اللى بنكذبها على نفسنا ،سواء بسبب الخوف أو عشان مطامع، أنت ابن كذبتك.. على أد ما تتبناها وترعاها وتحبها وتتصالح معاها بتكون أنت حد تانى أو تالت، مراكبى وعماشه وغيره وغيره، مسوخ مقلدة بأشكال وأنماط مختلفة متذوقة ومتزينة بأى شكل غير حقيقتها..

وأما فيما بعد النهاية أو النهاية اللى بجد.. نرجع بقى تانى للسؤال، تخيل العالم من غير كذب؟ .. بعد تفكير، التخيل الوحيد اللى مالقيتش غيره هو إننا نكون شوية عرايس ماريونت أو قطع شطرنج فى إيد صاحبها مجبرين نبقى حقيقيين ومفيش مجال للغلط! عالم ماسخ اللى فيه نكون مجبرين ع الصدق مش مختارينه ..مش كده؟، ويمكن ساعتها حتى لو مفيش كذب هيتم اختراعه ودى كانت تكملة The invention of lying ، رغم ان العالم مليان بالأكاذيب، إلا انه دا دليل على عظمة الخالق اللى منحنا الاختيار .. "وجود فرصة للكذب بيقول ان فيه حرية للاختيار.. لكن اختيار إنك تكون حقيقي ،ومش كذبة، بيقول انك حر"..