من منّا لم يُشاهد أو يتأثّر بالفيلم الأشهر في السينما تقريباً: التايتانيك؟.

عشش فيلم «تيتانيك -Titanic» في وجدان الملايين ممن شاهدوه وأضحت شخصيات جاك وروز التي ارتكز عليها الفيلم، حلمًا بالنسبة لكثير من المراهقين، يتمنون أن تمنحهم الأقدار شريكًا مُثلهما.

لكن كيف خدعنا الفيلم، على الأقل أخلاقياً؟

فيلم تيتانيك طرح نقيضاً لشخصيّة جاك، فصار الرجل الفقير "نبيلاً" والغني "أنانياً"، الأوّل همّهُ الوحيد أن يُحرر روز من قبضة الجديّة والحياة الرتيبة التي تعيشها والأخر يبدو أنّهُ يُقيّدها بسلاسل النقود والحاجات، لتأتي روز أخيراً ابنة الـ17 ربيعًا، الأمريكية التي تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، ومع ذلك تبغض كل مظاهر التكلف والاصطناع التي تعيشها هذه الطبقة، وتكره القيود الاجتماعية والأخلاقية المفروضة عليها بسبب انتمائها إليها.

روز رأت في جاك الكمال، بينما رآها هو كقطعة حلي تحتاج إلى إزالة الصدأ الذي يغطيها ويحول دون بروز بريقها، إذ أنه عندما يقرر أن يخبرها بحبه لها، يصفها بأنها فتاة صغيرة مدللة، مستخدمًا أحد أكثر التعبيرات إزدراءً «You’re a spoiled little brat»، ومع ذلك فإنها بالنسبة له أجمل امرأة التقى بها على الإطلاق، وعندما لا تستجيب له نتيجة الخوف والتردد، يحذرها من موتها حيةً إن لم تحرر من أسرتها، رابطًا بوضوح بين تحررها واختياره.

من هذه المُنطلقات التي أثّرت بنا يغيب عنّا التالي:

- روز تستغل خطيبها الغنيّ لتسديد أمها والإنتقال بهم إلى معيشة أفضل

- روز تسرق خطيبها الغنيّ وتستغلّه مادياً

- يعلم خطيبها بذلك ولكنّهُ يقرر عدم إهانتها أو إزعاجها في البداية، يكتفي بأن يوجّه لها بضع كلمات 

ولفرط جمال القصّة وكرهنا للأثرياء، تناسينا أنّ روز قبلت الزواج من خطيبها وأنّهُ لم يجبرها، إنما هي قد وضعت نفسها تحت سيطرته بسبب غناه، وهو بالمقابل أحبّها وعاملها جيداً وأغرقها بالهدايا وبالحياة الباذخة، لتكافئه بعد ذلك بأن تقبل الخيانة من شاب فقير أعترض طريقها فجأة وبدون حتى أي تفكير بالموضوع، لتتفنن أخيراً بإذلاله عبر رسم نفسها عن طريق الشاب ببورتريه تضعهُ في الغرفة، لوحة تكون فيها عارية!

أي أنّ الفيلم كلهُ بُني على استغلال روز، على قدرتها على تجاهلم مشاعر الآخرين وأخيراً حياتهم، حين لم تهتم أصلاً بحياة لا أمها ولا خطيبها الذي أهتم بإنقاذها هو بالمقابل! إلى أن تجلس على خشبة وتحرم حتى جاك من أن يكون لهُ مقعداً على خشبة عائمة. 

لماذا أحكي عن كل هذا وأعيد قراءة الفيلم؟ لأسأل سؤالاً واحداً، هو السؤال الأهم: هل يمكن أن تخدعنا الأفلام؟ على الأقل أخلاقياً؟