ملاحظة: لا يُوجد أيّ حرق لمشاهد أو أحداث الفيلم، سوف أتحدّث فقط عن مِزاج الفيلم وعلى ماذا دَارْ

---------------------------------------------

دائماً وعند كُلّ إنسان قد شاهد بعض الأفلام، بعضاً من انتاجات هذا الفنّ الذي يُسمّى بالسينما يكون لديه فيلم أو اثنين دائماً ما يعود إليهم للمشاهدة مرةً واثنتين، ثلاثة وأربعة دون أيّ ملل، أنا عن نفسي أشارك الجميع بهذه العادة بتحفة الروس، تحفة المخرج آندريه تاركوفسكي: Stalker. 

هي من كتابة: نيكولاي غرينكو. 

قصّة محورها ثلاثة أشخاص هُم العالمُ بما به من تضاد وبما بهِ من انسجام، الحالمُ والعالمُ والكاتب، أيّ الإنسان العاديّ والعالِم المؤسس على المادّة في فكره والكاتبُ الذي ما بَين بَينْ، يخوضون رحلة أقل ما يقال عنها أنّها رحلةٌ في حُلُمْ، حُلم من أغرب ما يكون: رحلة مُتعبة مُنهكة إلى منطقة محظورة على الناس اسمها: الزون zone.

إنّها قصّة تُعالج العالم بكتابةٍ جميلة وتُطلُّ على العالم المُقبل بتشاؤم ثقيل فيه سحرٌ عجيب، كُلّ ذلك كان بالتكوينات البصريّة والفلسفية التي انتجها تاركوفسكي بعدسته، إنّها عدسة تبحثُ في هذا الفيلم عن مطارح ليوتوبيا يجب أن تكون ولواقع دائماً ما يكونُ الأسوء بسبب الاتجاهات التي ينتحيها الإنسان الحديث في خياره وقراره. 

الفيلم ينقد كُلّ شيء، يقلب الطاولة على العالم! لكن دون أن يخصخص الآلام، فمع أنّ الفيلم روسيّ على أنّهُ لم يُنتج ألماً روسياً، فقد سلخ القصّة عن جلد المكان المجدد بالإطار المحدد ليجعلها قضيّةً عالمية، حتى الشرطة التي نراها كانت شرطةً بلا شارات مفهومة تدلُّ على قوميةٍ ما، لقد أرادا تاركوفسكي ونيكولاي أن يصنعا فيلماً عن صراعٍ عالميّ مُحدد بين طبقات المجتمع بمكانٍ غريب! وسؤال أغرب: هل العالمُ مادّة أم عاطفة؟ كيف يجبُ أن نتعلّق به؟ كيف يجب أن نراه، بين الروح والحجر يدورُ الفيلم..

حين شاهدتُ هذا الفيلم لأوّل مرّة كنت كمن يفتح كتاب فلسفي ماتع لا أريده أن ينتهي وفي المرّة الثانية لاحظتُ مُتعةً في التقاط الجمال من الصورة، في المرّة الثالثة تشردُ في رحلتهم وتراقبهم كأنّك صرت جزءً من المكان، تُحبّ الشعر بعد أن تنتهي، تحبُّ القراءة، تحبُّ هذا العالم والتفاعل معه قبل نهايته. 

ما هو هدف الرحلة؟ أن يكونوا، "أن تكون أو لا تكون تلك هي المسألة" شكسبير، وهذا هو الفيلم.

أنصح حين المُشاهدة أن تنتبه لكلّ التفاصيل التي تجدها في إطار الصورة، فكُل ما تستوعب أكثر كُلّما تزيد متعتك، خاصة في أفلام تاركوفسكي وهذا الفيلم بالذات، يُقال عادةً أنّ "الشيطان يكمن بالتفاصيل" وأقول أنّ "فن تاركوفسكي بالتفاصيل" إنّك ستجدُ مُتع القصّ والصورة والفلسفة في فيلم واحد من ساعتين ونصف. 

وأنت ماذا عن فيلمك؟ ما هو الفيلم الذي لا زلت لا تملّ من مشاهدته؟