لا يختلف متابعان للسينما أن كيفن سبيسي -فنيا- يعتبر ممثلا من الطراز العالي (نتحدث هنا فنيا) ، كما لن يختلف اثنان ممن تابعو المسلسل السياسي بيت البطاقات "house of cards" ،أن شخصية فرانسيس أندروود التي قدمها لنا في هذا العمل تعتبر باكورة و ذورة أداء هذا الممثل خلال مسيرته . في هذا المقال نتشارك أربعة دروس يمكن استخلاصها من هذا المسلسل .
الدرس الأول: السياسة و الأخلاق ...
السلطة ، ربما هي الغريزة الأساسية للإنسان كما قال فرانسيس... و عليه ، قامت - و منذ خلق البشرية- الحروب و الدسائس و الخيانات بين أقرب الأقرباء من أجل السلطة ، و في هذا الزمن المطبوع بالفردانية ، تبرز السياسة كحرب مقننة من أجل السلطة ... لذلك تبرز مقولة ميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" كفصل أول في كتيب تعليمات السياسة ، و عليه ، ان كنت صديقي تنوي الدخول في هذا المعترك ، فاعلم يقينا أنه كجال حيث لا مبادئ و لا أخلاق و لا ضمير ، اعلم أنه الجحيم الأرضي أين يمكن أن تجد كل أنواع الخيانات و الغدر و الدسائس ، لا فرد محصن من الخيانة و لا حدود للجرائم التي تصل حد القتل .... أنت معرض لأبشع أنواع الألاعيب ....
يبقى السؤال في وطننا العربي .... ما مدى صحة المقولة بترك السياسة من منطلق صون الأخلاق ؟ و إذا صحت ، فماهو السبيل لإصلاح هذا الوضع الذي يتحكم برقابنا و مصائرنا ، و إذا بطلت فكيف يمكن للإنسان أن يحارب القذارة و يحتفظه بمبادئه و أخلاقه ؟
الدرس الثاني : دولة المؤسسات ...
رأينا مدى تعطش فرانسيس و زوجته للسلطة ، و رأينا الحدود التي يمكن لهم أن يتجاوزوها بكل سهولة في سبيل السلطة .... السؤال .... لو كان فرانسيس في دولة غير أمريكا ، ما الذي كان ليمنعه من إقامة المذابح و المجازر في حق الملايين ؟؟ لولا مؤسسات الدولة الأمريكية ، من كونجرس و قضاء و إعلام و نقابات و مؤسسات أمنية ... على الفساد الذي تعاني منه هذه المؤسسات كذلك ... لولا أنها كانت تؤمن ، و ان كان بالحد الأدنى ، بسيادة القانون في الدولة ..... كنا رأينا دكتاتورا مستعدا بارتكاب جرائم لا يمكن تصورها طالما كانت في مصلحته ...
كل هذا يرينا أن الضامن الحقيقي لأي مجتمع ، ليس الأفراد .... بل المؤسسات ، فهي الأولى بالرهان عليها .. وجود قانون و مؤسسات قوية كفيل بأن يحصر التعطش للسلطة في جرائم و صراعات محدودة بدل أن يعني المواطن العادي منها بشكل مباشر ..
الدرس الثالث: الإعلام ؟
في إطار دولة المؤسسات .... رأينا دور الإعلام المحوري في قلب معمعة الدسائس و المؤامرات ، إعلام متأرجح بين نقيضين ، بين إعلام يبحث جاهدا عن الحقيقة و يحاول كشفها للناس و يلعب دورا رئيسيا في بناء التوازن بين المؤسسات السياسية ، و إعلام يعمل بوقا خاصا للحقيقة التي يريد فرانسيس إيصالها للناس ، إذ رأينا الأهمية القصوى التي يوليها فرانسيس للإعلام بين ترغيب و ترهيب . كما رأينا ما يسمى بالعلاقات العامة ، و الضوء الذي سلط على مهنة المتحدث بإسم البيت الأبيض ، و كيف أنه يمثل واجهة لغرفة عمليات تجهز مسبقا ما يقال و ما لا يقال ، و كيف أن نصف ما يقال في المؤتمرات الصجفية ليس إلا ما يريد البيت الأبيض إيهام الناس به ... هنا ، دعنا نركز قليلا .... قلت نصف ، و قلت تأرجح بين نقيضين ، و هذا لا يعني أن نصدق كل ما يذاع و يقال في الإعلام ، كما لا يعني أن الإعلام دائما ما يكون كاذبا و خاطئا ، لكن الدرس المستفاد أن الإعلام هو على أقل تقدير وسيلة حيوية في قلب المعادلات السياسية ، و إن من يتجاهلها ، تتجاهله السلطة و القوة ببساطة لأن هذا القطاع معرض و بقوة لتسلل كل ما في السياسة من فساد إليه ، كما أن من أهم قواعد بناء ديمقراطية في مجتمع ما ، هو فرصة و إمكانية لتأسيس إعلام نزيه لأن ذلك يعتبر أقوى سلاح في وجه أي طاغية.
الدرس الرابع : أين توجد القوة حقا ؟
ربما من أشهر مقولات فرانسيس أندروود : إذا كان المال هو ذلك القصر الجديد الجميل ، لكن الآيل للسقوط بعد عشر سنوات ، فالسلطة هي ذلك البناء الحجري الذي يصمد لقرون ..... لكننا رأينا في المقابل ، كيف أن المال هو أهم درجة من درجات المصعد للقوة ، و رأينا كيف أن الساسة في مكاتبهم في أغلب الأحيان ليسو إلا رعاة لمصالح شركات كبرى و نافذة ، كما رأينا مدى
النفوذ و التأثير و القوة التي مارسها أغنى رجل في أمريكا ..... كما رأينا و للمفارقة ، كيف يعمي المنصب عن مقاليد القوة الحقيقية ، إذ يعزل الشخص عن حقيقة ما يدور من حوله و يدخل في متاهة الأعمال الرتيبة المستهلكة للوقت دون فائدة ، و يصبح هدفا بديهيا لجميع أسهم الانتقاد و الاستهداف و الهجوم ... عكس اللاعبين في الخفاء و من وراء الستار ، كما كان فرانسيس في البداية ..... لنعود و نرى كيف سحبت كلير منه البساط بواقع منصبها ! إذن الدرس المستفاد ، أن القوة توجد .... ببساطة في قلب الأحداث ، و فوقها ... في المنصب ، و فوق المنصب ..... في المال ، في الإعلام .... القوة توجد في كل مكان ، و من يسعى لتجميع القوة المطلقة ، سيبقى سنوات و عقود يلهث ورائها ، لتبقى قوة العشوائية و الفوضى البشرية ، و قوة القدر الإلهي فوقه دائما ....
الدرس الخامس : حتى البديهي ليس بتلك البداهة التي نتخيلها ....
ربما أهم درس نتعلمه من فرانسيس أندروود ، و هو الدرس الأخطر ... هو قدرة الشر على اجتذاب تعاطف .... فبالقليل من مصارحة الذات ، علينا الإعتراف أننا تعلقنا بفرانسيس في رحلته و كنا داعمين له ... بل و تمنينا انتصاره في معاركه الدنيئة ، مما يعني أن كل الشعوب حتى المتحضرة و المتعلمة ليست محصنة من دعم دكتاتور مجنون بالعظمة ، فالقوة و السلطة مغناطيس ينوم الشعوب و الأفراد .... و لا يوجد مناعة طبيعية ضدها .
و أنتم ؟ شاركونا الدروس التي تعلمتموها من هذه الشخصية !