أبنيةٌ مهدّمة قديمةٌ كانت تابعةً للجيش السوفيتي في بولونيا، أعادت للمخرج العالمي «رومان بولانسكي» ذكرى اللّجوء والهرب أثناء الحرب العالمية الثانية، من فرنسا إلى بولونيا أو «بولندا».

«عازف البيانو» كان فيلم بولانسكي الذي أعَادَ فيه حكايةَ ذكرياتِ الموت الذي بدأَ بها حياته، ونالَ فِيْلمُهُ السّعفة الذهبيّة. لكن قصّة عازف البيانو اليهودي الذي هرب من قبضة النازيين ومعتقلات الإبادة كانت قصة «فالديك شبيلمان» عازف البيانو البولندي الجنسية اليهودي العرق، الذي كان يعزف في محطة الإذاعة البولندية، أما رومان بولانسكي فتلك حكايةٌ أخرى.

من أجواء اللّجوء من فرنسا إلى بولندا إلى أمريكا، عاش بولانسكي بدايةَ حياته الحافلة بالأحداث، المأساوية حينًا، والغريبة حينًا آخر. مَوْتُ والدته أثناء الهرب من النازيين، ومقتل زوجته في حادثة تُشْبِهُ عقدة أحد أفلامه، إلى حوادث أخرى جعلتْهُ أكثر من مخرج أفلامٍ عاديٍّ.

لا يمكن أن تضع أفلام بولانسكي ضمن حيّز واحد، فهو قد بدأ أول أفلامه الطويلة عام 1962، والذي رُشّح للأوسكار كأفضل فيلمٍ أجنبي مباشرةً، وكان بعنوان سكين في الماء Knife in the Water وهو يصوّر قصة زوجين شابين سئما من حياتهما، ويجدان مفتاح السعادة مع رجل عجوز. بعد ذلك اشترك مع جان لوك غودار وكلود شابرول في صناعة فيلم The Beautiful Swindlers، ثم قدم أول أفلامه الناطقة بالإنجليزية عام 1965 مع النجمة الفرنسية كاثرين دونوف بعنوان النفور Repulsion عن امرأة مهووسة ترتبطُ بعلاقة مع الجنّ في أجواء كابوسية.

يعتبر بولانسكي مخرجًا ذا قدرةٍ كبيرةٍ على تناول الموضوعات المختلفة، فقد تنقل بين الكوميديا والرعب والرومانسية والتراجيديا، فقد قدم عوالم مصاصي الدماء بشكل كوميديٍّ ساخر عام 1967 في فيلمه «الرقص مع مصاصي الدماء»، ثم انتقل إلى أفلام الرعب والشياطين في فيلم Rosemary’s Baby، ثم انتقل الى التراجيديا وعوالم شكسبير في فيلم مأساة ماكبث 1971، ثم دخل عوالم الرومانسية مع فيلم Tess الذي فاز عنه بجائزة أفضل مخرج عام 1981، وانتقل بعدها إلى عالم الغموض والأسرار في فيلمه الغريب «البوابة التاسعة» عام 1999، والذي كان من بطولة جوني ديب إلى فيلمه الشهير عازف البيانو الذي فاز بأفضل فيلم وأفضل مخرج عام 2003.

ولم يتوقف مشوار بولانسكي، رغم قضية التحرش الجنسي التي لاحقته طوال الثلاثين سنة الماضية، بكل تبدلاتها، فهي كشهرته التي تزداد في كلِّ عمل جديد لمعانًا، وتثيرُ حوله أسئلةً أكثر غموضًا عن ذلك المجرم البريء الذي أعاد صِياغَةَ الحدث السينمائي العالمي، وفق رؤيته الخاصة.