مبدأ الإنتصاف هو أكثر حقيقة يساء إستخدامها في هذا العالم، الناس إما يبحثون عن الكمال أو يستسلمون لنصف حياة وبين هذا وذاك لا يتوقف نزيف النفس المنهكة ولا الروح التائهة.
حين وجدتك لم تكترثي بالنصف البارز مني كوني سكير مولع بفاتنات الحانات ولفائف التبغ المحشوة بواقعي المخيب، لو كنت مكانك لكنت فضلت الرحيل في صمت، خشية ردة فعل سكير ورائحة فمة ونزواته التي لا تليق بك،المنطقة تعج ببائعات الهوى.
إن كنتي تريدين النصف الآخر مني، ذلك الرجل الكلاسيكي ، ما أنا عليه خارج هذا المكان، فما أنا عليه خارج هذا المكان وهنا لا ينتاقضان، وليست شيزوفرينيا إطلاقاً؛ فالمادة الموجودة داخل هذة السيجارة هي نفسها التي أستنشقها في البايب حينما أكون الرجل الآخر، ما بين هذا وذاك تكتمل الصورة يا عزيزتي، هنا ذلك القابع أمامك، وفي الخارج رجلٌ نبيل خبير بأسواق المال والأعمال يردد شعارات الحزب الحاكم بكل حب، يبهر النساء حينما يتحدث بلباقة عن التدخين وعلاقته بالذكاء الإصطناعي... لابأس فالنساء لا يكترثن بالمضمون!.
الحكومة نفسها تتعامل معنا بهذا المبدئ، الرئيس يحضر حفل للسلام هنا والشرطة تقتل المتظاهرين في الجنوب!.
هذا الكأس لا يمتلئ نبيذا؛ لماذا؟!؛ النصف الفارغ من هذا الكأس هو ناتج معاهدة بين حياتي بالخارج وهنا،لابد من إنتصاف الكأس، لابد أن أخرج للعالم بإتزاني المعتاد، لم أنظر هنا لنصف كأس؛ بل لنصفي حياة.
مبدأ الإنصاف هو أكثر ما يساء إستخدامه في هذا العالم، الناس إما يبحثون عن الكمال أو يستسلمون لنصف حياة.
مغرم بباريس؛ لأنه لم يشاهد مثل جمالها في مارسيليا، يعشق الأسكندرية؛ لأنه يفتقد إلى شطها وطبيعتها التي أصبحت شيئاً روتينياً لمن يراها كل يوم، يحسد أهل النوبه على جمال روحهم وبساطة طبيعتهم؛ لأنه لم يجرب معاناتهم يوما؛ هم كذلك لأنهم إعتادوا على ظروف الحياة حتى تأقلموا.
أتدرين يا جوليا لماذا يخسر الإنسان دائماً؟!
لأنه عندما يبحث عن الكمال؛ يركز إلهامة على شخص آخر ذو حياة تعيسة لا يفعل شيئاً سوى جني المال، ولكنه يراه هو النجاح الذي يجب أن يصبح مثله، لم ينظر إلى جانب آخر من حياة ذلك الشخص؛ غارقاً في مشاكل نفسية وأسرية لا يعالجها المال، لكنه يخرج إليك مفعم بالحياة يصدح بكل عبارات التحفيز والتنمية البشرية ليبيع إلى الساذجين الوهم، لا أعيب له فعل ذلك؛ لأنه يفعله ليتقاضى مقابله المال، حسناً كل شئ إرتبط بالمال هنا! .
جبران كان محقاً حين قال :
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء ... لأنه يا عزيزتي لا حب ولا صداقة بلا فرح وقت الفرح وسند وقت الحزن ودعم وقت النجاح وضمة في شتاء البرد لابد أن نكمل كل جدار إنقض من أرواح من نحبهم.
لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت... لأن كل نَفَس يخرج منا يا جوليا لابد أن يكون حاملاً بجانب ال CO2 لأنسانيتنا وكل ما يجعلنا نليق بالوجود.
لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة.... لانه في نهاية الأمر لا أحد سيتحمل عواقب سذاجته وتنازلاته يا عزيزتي.
النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها... لا يعُقل يا جوليا أن أسخط إهمال الآخرين لنجاحاتي وأنا أبادلهم نفس الأمر، المشكلة هنا في الإنتظار، كل منا ينتظر الآخر أن يبادر؛ يطول الإنتظار ويتيه في طريق مجهول.
أنا بين هنا وهناك كالروح والجسد كلاهما كمال للآخر، والإختلاف بين هنا وهناك هو الكمال بعينه، والإنسان هنا هو نصف الحقيقة.