في مساءٍ هادئ، داخل شقة صغيرة في أحد أحياء المدينة، جلس "آدم" ابن الخامسة عشرة في غرفته، الباب مغلق، الستائر مسدلة، والضوء الوحيد ينبعث من شاشة هاتفه. يتنقل بين التطبيقات، يضحك أحيانًا، لكنه في داخله يشعر بثقل لا يعرف كيف يصفه. في الخارج، والده يتحدث بصوت عالٍ في الهاتف عن مشاكل العمل، وأمه منشغلة في المطبخ، تعد العشاء بصمت، دون أن تلاحظ أن ابنها لم يخرج من غرفته منذ ساعات.
آدم لا يتحدث كثيرًا. لم يعد يشارك تفاصيل يومه، ولا يسأل عن رأي والديه في شيء. في الحقيقة، لم يعد يثق بأنهم سيفهمونه. كلما حاول أن يتحدث، قوبل بردود جاهزة: "هكذا الحياة"، "نحن مررنا بما هو أصعب"، "أنت تبالغ". فاختار الصمت.
في المدرسة، يصفه المعلمون بأنه منطوي. لا يشارك في الأنشطة، لا يبتسم كثيرًا، وعندما يُسأل عن رأيه، يكتفي بهز رأسه. أصدقاؤه يلاحظون تغيّره، لكنه لا يشرح. كيف يشرح وهو نفسه لا يعرف ما الذي يشعر به؟ فقط يعرف أنه لا يشعر بالأمان… حتى في بيته.
في إحدى الليالي، سمع والده يقول لأمه: "ابنك صار غريب، ما عم نفهم عليه". لكنها لم ترد. ربما لأنها أيضًا لا تعرف كيف تقترب منه. العلاقة بينهما أصبحت رسمية، كأنها مع زائر مؤقت. لا عناق، لا أسئلة، لا جلسات عائلية. فقط أوامر، واجبات، وملاحظات.
آدم بدأ يكتب في دفتر صغير تحت وسادته. يكتب عن شعوره بالوحدة، عن رغبته في أن يسمعه أحد دون أن يحكم عليه، عن خوفه من المستقبل، وعن أشياء لا يجرؤ على قولها بصوت عالٍ. ذلك الدفتر أصبح صديقه الوحيد، لأنه لا يقاطعه، ولا يلومه، ولا يستهين بما يشعر.
التفكك الأسري ليس دائمًا صراخًا أو طلاقًا. أحيانًا يكون في التفاصيل الصغيرة: في غياب السؤال، في تجاهل النظرة، في فقدان الثقة. حين يشعر الابن أن بيته لا يفهمه، يبحث عن فهم في أماكن أخرى… بعضها مظلم، بعضها خطر، وبعضها يسرق منه ما تبقى من براءته.
آدم ليس حالة نادرة. هو صورة متكررة في كثير من البيوت. شباب ومراهقون يعيشون في عزلة عاطفية داخل منازلهم، يفتقدون الحوار، ويخافون من التعبير. وما يحتاجونه ليس هاتفًا جديدًا، ولا حرية مطلقة… بل حضنًا صادقًا، وكلمة تطمئنه أن هناك من يهتم لأمره وأن هناك من يلحظ وجوده..
ما الذي يجعل البيوت بهذا الضعف والتفكك؟ وما الذي يجعل الأبناء ينطفئون في قمة توهجهم؟
التعليقات