كتبتُ مقالًا عن الخلايا الجذعية قبل أيّام، ومدى أهمّيتها للباحثين والعلماء، وقلتُ فيه:

للخلايا الجذعية مستقبل واعد، ففكرة أنّه توجد خلايا صغيرة تستطيع أن تتحوَّل إلى أي جزء من نسيج نُريده، هي فكرة عظيمة، وهي أقصى ما في النفس من كلِّ منية للأطباء والعلماء.

وعندما يكون هناك وعد كبير كهذا، قد يستلّقه بعض الناس لأجل المال والشهرة، كما فعل جرّاح ايطالي مشهور يُدعى باولو ماكياريني.

قصّة ماكياريني الساحرة كانت باستخدم الخلايا الجذعية لتغليف قصبة هوائية اصطناعية من البلاستك، وهذه الخلايا تكون من جسم مُستقبل الزراعة حتّى لا يتم رفضها من جسمه.

أحتفى الإعلام بهذا المنجز، اليوم زراعة قصبات هوائية بدون رفض، غدًا نزرع الكبد والكلى والقلب، وننقذ هؤلاء المرضى البائسين من الموت المحتوم. هنا النعيم، هنا السرور، هنا المُنى!

قامت جامعة كارولينسكا السويدية بتعيين ماكياريني وجعلته نجمها المُبرَّز، كارولينسكا جامعة رائدة في الأبحاث العلمية الطبيّة، مال وشهرة، كانت بمثابة الوظيفة الحلم للجرّاح الإيطالي.

قام ماكياريني بجراحته الأولى على شاب بعمر 39 سنة، زرع له قصبة هوائية بلاستيكية مغلَّفة بخلاياه الجذعية، لم يعد بحاجة لأدوية التثبيط المناعي!

تعافى الشاب بعد العملية، واشتهرت أخباره كالنار على الهشيم، لم يهتم له كثير من الناس عندما مات بعد سنتين ونصف، وهو يعاني من ألم لا يُوصف بسبب التدهور الذي حصل للقصبة البلاستيكية.

التحقيقيات في السنين اللاحقة أشارَت إلى أن ماكياريني حرم الشاب من علاجات أكثر فاعلية للسرطانات في سبيل القيام بتجربة طبيّة جديدة. كما فعل مع غيره من المرضى الذين لم يكن الاعلام محتفيًا بخبر معاناتهم بعد العملية، بقدر احتفاءه بقصّة اجراءها على يد ماكياريني.

سَحَرَ الصحفية

لهذه القصّة جانب رومانسي، هناك صحفية من قناة NBC كانت تُجري وثائقي مع ماكياريني، لتتطوَّر الأمور بينهما وتقع في حبّه، ومن يلوم من تُغرم بجرّاح مشهور يتحدَّث 6 لغات؟

وعدها ماكياريني بالزواج، لكنَّه كان يتصرَّف تصرّفات تؤشِّر لك عن خلل خطير في شخصيته، إنّه يكذب ويحتال.

من الكذبات التي كذبها على الصحفية:

  • أخبرها أنّه صديق للبابا وطبيبه الخاص
  • أنّه ضمن فريق طبي خاص يُجري عمليات جراحية لكبار الناس.
  • قام بعمليات جراحية على أوباما والأمبراطور أكاهيتو، والزوجين كلنتون.
  • بوتين وساركوزي سيحضران لحفل الزواج

إنطلت على المسكينة كل هذه القصص إلى أن أخبرتها صديقتها أن للبابا زيارة لجنوب افريقيا في نفس موعد الزواج، فعينت حينئذ من يتقصّى لها أخبار الجراح المحتال، فأكتشف أنّه متزوج منذ ٣٠ سنة ويعيش مع عشيقته الأخرى.

غرامك كلام.. ضميرك عدم!

اثناء هذا، بدأ الباحثون في الجامعة السويدية يُشكّكون ما يصنع ماكياريني، ونشروا تحقيقا من 400 صفحة عن عملياته الجراحية ومضاعفات المرضى، لتتلقّاهم الجامعة بالتوبيخ، كيف تنشرون هذا بحقّ النجم المُبرَّز؟ لقد انتهكتم خصوصيات المرضى بهذا التحقيق! إنَّكم لمطرودون! وهذا ما حدث.

ثمَّ قامت جامعة كارولينسكا باجراء التحقيق على الجراح المشهور لإسكات الأفواه، ليجدوه… بريئًا!

فقط عندما بدأ الكثير من الباحثين المعتبرين في الجامعة بالاستقالة بعد هذه الأحداث، قامت الجامعة في البحث جديًا فيما يقوم به ماكياريني، لتطرده في النهاية في 2017.

وكما ختمتُ مقالي السابق أختم هذا:

لا تقل أنا أصدِّق العلم، بل قل أنا أصدِّق العلم القابل للتكرار!