كنت قد كتبت موضوعاً استشير فيه الإخوة في المجتمع عن فكرة تقديم استقالتي عن الشركة التي أعمل بها، لأني لم أكن راضياً عن أدائي فيها هنا في هذه المشاركة:

وبعد الأخذ بالاعتبار خبرات ونصائح وتجارب الاشخاص الذين سبقوني بالأمر فعلت الآتي:

لم أستقل، ولكني لم أعزف عن فكرة الاستقالة !

أعطيت نفسي مهلة مفتوحة لأقوم بدراسة طويلة وعميقة للوضع، والقراءة والإطلاع، والاستخارة والاستشارة، وتقييم الوضع والنظر من زوايا مختلفة للأمور. جلست مع نفسي وانغلقت عليها. وحاولت أن أتعرف وأتقرب إلى نفسي أكثر، وأعرف ماذا أريد وماهي أهدافي وطموحاتي ومبادئي وعيوبي ومحاسني ونقاط ضعفي وقوتي.

لأني شعرت نوعاً ما أن المشكلة أعمق من نظام العمل في الشركة..

قمت بتغيير شامل كامل في أسلوب حياتي والطريقة التي أنظر بها إلى الأمور، من خلال فترة هذه المهلة والمصادر التي اطلعت عليها فيها، تعلمت أنه في كثير من الأحيان قد يكون حلول الكثير من المشاكل والعقبات التي تواجهنا في داخلنا. وأنه لحل المشكلة يجب أن نخرج من أنفسنا ولا نفكر بنفس العقلية التي كونت المشكلة. وتعلمت أن ردود الفعل التي نحدثها نتيجة لمؤثر خارجي لا يجب أن تكون متأثرة بذلك المؤثر، بل يجب أن تكون نابعة من القلب، ومن منظور الصواب والخطأ فقط (وليس من منظور "الآخرين هم من أجبروني على ذلك" أو "هم من بدأوا بالأمر").

وعلمت أنني إذا تعاملت مع هذه المشكلة أو أي مشكلة أخرى بهذه العقلية. أي (أهرب من البيئة التي فيها المشكلة). فحتماً ستواجهني خلال حياتي بعض المشكلات التي ربما يكون إطارها ومداها أكبر من أن أستطيع الهرب منها ويجب علي أن أتعامل معها كما هي. ويجب أن أتحمل مسؤولية تحدي أو حتى تغيير الواقع والظروف التي أعيش فيها.

فلا يجب أن أعطي نفسي فرصة للتفكير بعقلية الهرب من المشكلات، بدلاً عن التفكير ودراسة حلول المشكلات الممكنة.

طبعاً وصلت لمرحلة من التفكير العميق والإدراك تعدى المشكلة هذه وجميع المشكلات التي أعاني منها، حيث أنني أصبحت أنظر إلى جميع مشاكلي على أنها تحديات يجب أن أستمتع بها، وبالفعل كان كذلك.

قررت أن أبدأ بتطوير نفسي لأقصى حد، وأن لا يمر علي يوم إلّا وقمت بتطوير نفسي في ثلاثة محاور أساسية: المحور الديني (علاقتي بربي)، والمحور الصحي (ممارس الرياضة والأكل المفيد والصحي)، المحور المهني (تطوري في مجال عملي وعلمي) . وهناك محورين إضافيين يتطوروا بصورة غير مباشرة بتطور المحاور الثلاث الأولى، وهما المحور الاجتماعي (العلاقة مع العائلة والأسرة والاصدقاء (هذه الأخيرة لا أملك إلا القليل جداً منهم) لأني أؤمن أن كثرة الجلوس مع الجماعات والأحاديث الجانبية والجدال ما هي إلا مضيعة وهدر للوقت والمجهود، وكذلك التعامل مع العامة في الطريق أو في المرافق العامة والخاصة وغيرها.. )

والمحور الشخصي (الاعتناء بنظافتي الشخصية وهندامي. ترتيب وتنظيم ممتلكاتي الخاصة كفراشي وغرفتي والسيارة والمكتب وحتى المحفظة والجوال).

قررت بدلاً عن أن أهرب من المشكلات والانسحاب بنفسي طلباً لوضع أحسن. أن أقوم بترتيب أموري العائلية والمادية أولاً، فأنا وإن كنت غير متزوج ولكني لا زلت مسؤول عن عائلتي.

ولذا وبعد كل ما أسلفت قررت أن أحاول تحسين الوضع في الشركة التي أعمل بها بأقصى ما أستطيع. فبقدر ما أنا متواجداً فيهاً سيكون هناك تحسين جديد في أخلاقيات وأسلوب العمل. وإن غادرت الشركة في أي وقت، سأكون مرتاحاً وفخوراً في نفسي لأنني استطعت أن أطور نظام وبيئة عمل تتسم بالود والسلاسة بين مكوناتها. (مع أنها ليست وظيفتي حتى). وخلال هذه الشهور القلائل ولله الحمد استطعت أن أؤثر حتى على المناصب العليا في إدارة الشركة وربما تغيير شيء حتى في أسلوب حياتهم. (نعم حقاً) فبعد تغيري لنفسي ولتفكيري استطعت أن ألهم معظم زملائي ورؤسائي في العمل!

ولله الحمد كنت أتحدث مع المدير، والمدير المباشر والرئيس التنفيذي، وزملاء القسم (كلٌ على حِدة) وأعطوني نوع من ردود الفعل الإيجابية، وأعطوني الضوء الأخضر للاقتراح وابداء الآراء وانتقاد أسلوب العمل بما أراه مناسباً بحسب خبرتي في المجال.

وبفضل الله تم إصلاح جزء من المشاكل التي كانت تواجه سير العمل بسلاسة في الفترة الماضية، (ليست مشكلات تقنية فقط، بل حتى أخلاقية تتعلق بأسلوب تعامل الموظفين مع بعضهم البعض ومع المشاريع والعملاء) وقد تحسن الوضع العام بصورة واضحة، بل وتمت إعادة هيكلة فريق العمل وضم أعضاء (موظفين) جدد. وافتتاح فرع جديد للشركة (خارج المملكة) وبذلك تمت ترقيتي (بصفة غير رسمية) حيث أني أصبحت أشرف أيضاً على فريق العمل بصورة مباشرة. حيث أن مدير القسم غير متحدث للغة العربية، بينما أفراد فريق العمل لا يجيدون الحديث بأريحية باللغة الإنجليزية. وبالتالي فأنا أقوم بدور الوسيط بينهم.

مع العلم أنني لست سعيد بإشرافي على الفريق (فهي مجرد تكليف ومسؤولية وليست تشريف). ولكني على الأقل أشعر (ولله الحمد) بثقة الشركة الكبيرة في شخصي، وكثيراً ما يتم إقحامي في إيجاد حلول للمشكلات والعقبات التي تواجه الشركة أو الموظفين في شخصهم. وبفضل المولى عزّّّوجل وبتوفيق منه، أصبح هناك كم هائل من الثقة المتبادلة بيني وبين بقية الموظفين والإدارة، وحتى بين الموظفين الآخرين بعضهم البعض تحسن الوضع إلى درجة بعيدة حقاً.

تعلمت من هذه التجربة أن أعمل دائماً على إصلاح نفسي وتقويمها وتصحيحها، ومن ثم إصلاح البيئة والآخرين من حولي ودعمهم وتشجيعهم..

اخوتي الكرام: هناك الكثير من الأشياء التي تغيرت ربما لا يسع المجال لذكرها (أو لا داعي لذكرها).

ولكن خلاصة الأمر، أريد أن أعطيك بعض النصائح للتتغير بسرعة :-

  • كن دائماً مبادراً . فعالاً . صادقاً (لا تنتظر أن يقدم أحد على فعل شيء، افعل أنت دائماً)

أصلح، ابتسم، ساعد وشارك، أعط واهدِ، وبادر بالتحية والسلام حتى وإن كنت تعتقد أن الطرف الآخر لا يستحقها.

  • لا تختر لنفسك الأشياء السهلة. أفعل الصعب، المستحيل. المتعب. لا تحاول اخذ الاختصارات في الحياة استمتع بطول الرحلة ووعورة الطريق ففيها يكون النمو والتطور واكتساب الخبرات.

  • تعلم من أخطائك، لا تكرر نفس الخطأ عدة مرات، أكتب ملحوظات صغيرة في هاتفك أو في ورقة صغيرة عن أشياء تود أن تفعلها، أو تود أن تتجنبها.

  • مارس الرياضة. دائماً دائماً.. في النادي، في الحدائق العامة، في سطح منزلك، في غرفة نومك، في الحمام (أكرمك الله) .. لا تعتذر بوضعك المادي وعدم تحمل كلفة النادي، يمكنك ممارسة الرياضة في أي مكان وباستخدام جسدك فقط.

  • الأصدقاء وجودهم مهم، والعلاقات والمعارف العامة رائعة، لكن هم ليسوا كل شيء، عائلتك هي أغلى ما تملك في الوجود، لا تجرح أو تغضب والديك من أجل أمور تافهة أو حتى غير تافهة. دعوة واحدة من قلب أحدهما تصادف ساعة استجابة قد تغير حياتك بالكامل للأعلى أو للأسفل.

عائلتك هم الأشخاص الوحيدون المستعدون على تقبلك كما أنت، بدون مميزات مادية أو غيرها.

  • اقرأ و/أو استمع للكتب والمحاضرات العلمية والدينية والتطويرية بقدر ما تستطيع، لا تشاهد التلفاز بقدر ما تستطيع.

  • الوقت. هو أغلى مورد لديك، فحافظ عليه. كما قال معلم البشرية عليه الصلاة والسلام: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".

  • أخيراً، الدعاء.. مهما كنت مذنباً وضالاً وغافلاً هناك دائماً من يجيب المضطر إذا دعاه، ومن هو قائل لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، ومن هو قائل: وإذا سألك عبادي عني فإني (قريب) أجيب دعوة الداع إذا دعان.

في كثير من الأحيان نقع في مسائل لا نجد لها حل إلا عند علام الغيوب، ارجع إليه واستعن به..

وفقني الله وإياك لما فيه صلاح دنيانا وآخرتنا.

إذا كان لديك أي سؤال لا تتردد في طرحه هنا، أو حتى على الرسائل الخاصة إن أردت.

دمتم في حفظ الله.