في بداية دخولي إلى مجال العمل الحر، لم تكن لديَّ مهارة واضحة أبدأ منها، وكنت أشعر بالتيه وسط العديد من المجالات. بدأت أبحث وأسأل: "ما أكثر المهارات المطلوبة؟ وما الذي يمكنني تعلمه ويكون عليه طلب فعلي؟" لفت انتباهي أن هناك طلب كبير على مجالي التصميم وكتابة المحتوى وغيره، لكنني كنت دائمًا أميل إلى الكتابة، وأشعر بشغف حقيقي تجاهها، فاخترت أن أسلك هذا الطريق الذي أحب، رغم أن كِلا المجالين كان عليهما طلب واضح. قررت أن أركّز على هذه المهارة، وبدأت أعمل على تطوير نفسي فيها. قرأت كثيرًا، تدربت، جرّبت، وكتبت العديد من النماذج، حتى أتمكن من بناء خبرة حقيقية. ومع مرور الوقت، فتحت لي كتابة المحتوى أبواب أخرى، مثل التدوين، والكتابة التسويقية، وكتابة السكريبتات للفيديوهات، بل وحتى كتابة المحتوى الإعلاني. وهذا جعلني أؤمن بفكرة مفادها: أن استثمارك في مهارة واحدة مطلوبة بالفعل، وتحبّها من قلبك، قد يكون بوابتك نحو مجالات أوسع وفرص أكبر.
اختر المهارة التي تخدمك في أكثر من طريق
أكثر ما أعجبني في كلامك هو إيمانك بأن البداية من مهارة واحدة فقط قد تقودك لفرص أكبر. فقد تعاملت مع الكثيرين ممن يعتقدون أن عليهم تعلّم كل شيء دفعة واحدة ليبدأوا، لأنهم يرون أن المجال مليء بالمحترفين وبالتالي فلن يتم قبولهم في أي وظيفة طالما هم ليسوا محترفين أيضا، وهو ما يشتتهم ويجعل الكثيرين يتركوا المجال قبل البدء أصلا، فكيف يمكن التغلب على عقبة تفاوت الخبرات تلك في بداية عمل المستقل من وجهة نظرك؟
أي شخص في البداية لا بد أن يحاول ويجرب أي شيء حتى لو كان يرى أنه غير مستعد تمامًا أو يعتقد أنه لا يمتلك المهارات الكافية، البداية دائمًا تكون خطوة صغيرة وكلما جربت وواجهت التحديات، كلما تعلمت أكثر وطورت مهاراتك، وأعتقد أن ما يميز المستقلين الناجحين هو قدرتهم على التعلم المستمر والتكيف مع التغييرات، وليس أنهم كانوا محترفين منذ البداية، فالمهم هو الاستمرار والمثابرة، والأهم من ذلك أن تكون لدى المستقل رغبة حقيقية في تحسين نفسه والتمتع بكل تجربة جديدة، وبعدين كل حاجة بيتعود عليها.
أري أن الحل لا يكون بمحاولة مساواة الكفّة مع المحترفين، بل في تقبّل مرحلة البداية والتركيز على التطور الحقيقي خطوة بخطوة. حين بدأت، لم أكن أمتلك مهارة يمكنني القول إنني أُجيدها بإتقان، لكنني اخترت أن أركّز على مهارة واحدة فقط، وهذا ما ساعدني على التقدم بوضوح وبدون تشتّت. فارق المستوى طبيعي، ولكل شخص مساره الزمني المختلف. أن تبدأ بشيء بسيط لكن تتقنه، أفضل بكثير من أن تحاول تعلّم كل شيء دفعة واحدة وتفقد حماسك في الطريق. أنا لم أكن أفكر في أن أصبح مثل المحترفين، كنت فقط أسأل نفسي: هل ما كتبته اليوم أفضل مما كتبته قبل أسبوع؟ ومع الوقت، أصبحت الإجابة: نعم، وهذا ما فتح لي أبواب لم أكن أتوقعها.
استثمارك في مهارة واحدة مطلوبة بالفعل، وتحبّها من قلبك، قد يكون بوابتك نحو مجالات أوسع
بالضبط يا إسراء، ليس المهم فقط أن تكون تحبها وإنما تكون مطلوبة فعلا ويحتاجها جمهور كبير؛ لكن ماذا لو كانت نادرة الاحتياج ولكن الطلب عليها يُدِرّ الكثير من المال مثلا مهنة خبير ترميم الأعمال الفنية هي نادرة ولكن لوحة واحدة يتم ترميمها يمكن أن يُدر على صاحبها عشرات الآلاف من الدولارات.
ماذا لو كانت نادرة الاحتياج ولكن الطلب عليها يُدِرّ الكثير من المال مثلا مهنة خبير ترميم الأعمال الفنية هي نادرة ولكن لوحة واحدة يتم ترميمها يمكن أن يُدر على صاحبها عشرات الآلاف من الدولارات.
أرى أن مثل هذه الفرص تكون عادةً مناسبة لمن لديهم خبرة سابقة في هذا المجال، وفي نظري، فإن حدوثها يُعد نوعاً من الحظ بالنسبة للشخص الذي يتقن مهارة نادرة يُطلب فيها العمل.
وفي نظري، فإن حدوثها يُعد نوعاً من الحظ
وهل من المعقول يا إسراء أن أتعلم شيءا وأنفق فيه المال والجهد والوقت فقط من أجل الحظ؟
بالطبع هذا ليس من أجل الحظ وإنما قد يلعب الحظ دورا في اختيارك ولكنه مبني على خطوات كثيرة ليس علاقة للحظ بها من قريب أو بعيد.
وهل من المعقول يا إسراء أن أتعلم شيءا وأنفق فيه المال والجهد والوقت فقط من أجل الحظ؟
لا، ليس هذا ما أقصده. الفكرة هي أن بعض المهارات النادرة لا يكون عليها طلب كبير طوال الوقت، فإذا صادف وظهر عميل يطلب هذه المهارة، فالشخص الذي يمتلك الخبرة فيها سيكون محظوظ بهذه الفرصة تحديداً، لأنها لا تتكرر كثيرًا. هذا هو المقصود، وليس أن نتعلم من أجل الحظ فقط.
فالشخص الذي يمتلك الخبرة فيها سيكون محظوظ بهذه الفرصة تحديداً،
سيكون محظوظ نعم؛ لكنه في الأساس أعد نفسه جيدا لهذه المرة، وربما مهمة ترميم واحدة تكفيه العمل طول حياته.
ولكن من المؤكد بل المستحيل أن يقضي حياته كلها ولا يحصل حتى على وظيفة واحدة؟
لكن هل توافقيني الرأي بأنّ أُلائك الذين يمتلكون مهارات نادرة أن يكونوا على علم بمهارات أخرى مساندة خصوصا في ظل ما نراه الآن في التكنولوجي؟ ربما تتغير الدنيا بين ليلة وضحاها أليس كذلك؟
هذه فكرة رائعة، نفس الكلام حدث معي وهو انى دخلت مجال والمجال توقف لايحدث فيه توظيف لمدة جويلة، ولكن نصحني شخص ان ادخل فى مجال ما وحينما دخلت كرمني الله بشئ قريب منهما وبهذا الشكل لم اضيع مسيرة شهور على الارض بفضل الله علي، فكلامك صحيح ان تتقني شئ ينفع فى عدة مجالات هو شئ جيد ولكن لابد من تخصص فى وقت ما.
التركيز على مهارة واحدة تجمع بين الشغف والطلب في السوق خطوة ذكية. حين تستثمر فيها بصدق، تفتح لك أبوابًا لم تكن تتوقعها، وتمنحك عمقًا وفرصًا لا تُحصى.
بالضبط، وهذا ما اكتشفته فعليًّا مع الوقت. التركيز على مهارة واحدة أحببتها وأدركت قيمتها في السوق، جعلني أتعلم بعمق وأبني ثقة حقيقية في نفسي وفي ما أقدّمه. وكلما تقدّمت فيها خطوة، ظهرت لي أبواب جديدة لمجالات لم أكن أفكر بها من قبل، لكنها كانت امتداد طبيعي للمهارة الأساسية. ربما السر فعلًا في الصدق مع الذات، والاستمرار في تطوير ما نحب، لا ما يبدو رائجاً. فقط.
التعليقات