من أكثر الأمور التي أرهقتني في العمل الحر، هي أن بعض العملاء لا يعترفون بوجود وقت شخصي للمستقل. أتلقى رسائل في منتصف الليل، وفي أوقات الإجازة، بل أحيانًا في أوقات لم يُتفق عليها أصلًا! ومع كل محاولة مني لوضع حدود، أجد نفسي في موقف محرج: إما أن أرد حتى لا يظن العميل أنني غير مهتمة، أو أتجاهل وأبقى منشغلة بما قد يترتب على ذلك من انطباعات سلبية. جربت أن أحدد مواعيد التواصل بشكل واضح، لكنني في النهاية كثيرًا ما أجد نفسي مضطرة لفتح الرسائل، لأنني ببساطة لا أريد خسارة العلاقة، فهي في النهاية فرصة عمل جيدة. ورغم محاولاتي المستمرة لتنظيم الأمر، إلا أنني حتى الآن لا أعرف كيف أضع حدودًا زمنية دون أن تؤثر على العلاقة المهنية أو أبدو وكأنني غير متجاوبة. فهل مرّ أحد بهذه المشكلة واستطاع التعامل معها بفعالية؟ أنا حقًا لا زلت أبحث عن حل واضح لهذا التحدي.
رسائل خارج أوقات العمل: أين نقف كمستقلين؟
أتعامل مع هذا الأمر بتطبيق مبدأ الأولوية، فلو كانت الرسالة مهمة جدا وملحة بالنسبة للطرف الثاني كأن يكون ردي سيبنى عليه شيئا أو أمرا طارئا أرد مباشرة، لكن لو الرسالة عادية ويمكن الرد عليها بالموعد الذي حددته أفعل هذا، وبالتالي أحاول ألا يشعر العميل بإهمالي لتواصله أو إتاحتي طوال الوقت
أفهم وجهة نظرك جيدًا، لكن التحدي بالنسبة لي لا يتعلق بمدى أهمية الرسالة، بل بفكرة احترام وقت التواصل من الأساس. فأنا أُبلِغ العميل بشكل واضح أنني متاحة للعمل في أوقات محددة، ومع ذلك تصلني الرسائل خارج هذا الإطار، حتى في أوقات أحتاج فيها للهدوء والتفرغ لحياتي الشخصية، والانفصال التام عن العمل. قد تكون الاستفسارات مهمة فعلًا، لكن ما يُزعجني هو: لماذا لا تُرسل خلال الوقت المتفق عليه؟ هذا يجعلني في حالة توتر دائم، ويُشعرني أن وقتي الشخصي لا يُحترم، حتى وإن لم أكن مطالَبة بالرد مباشرة.
فهل التزامي بعدم الرد خارج هذه الأوقات سيُساعد على ترسيخ الحدود التي وضعتها أم أن ذلك قد يُفسر من جهة العميل على أنه تجاهل أو عدم اهتمام؟
شخصيا، أرد لكن أوضح بشكل واضح جدا أنني مشغول ولا يمكنني التفكير في هذا الآن، وأنني سأفكر فيه لاحقا.
فلا أدخل في أي نقاش في وقت أكون مشغولا فيه.
بالنسبة لي: الشفافية التامة هي الحل، وعندما أكون مشغولا جدا أو ملتزما: لا أرد ببساطة.
جميعنا نعاني نفس الشيء للأسف، وخذه الضريبة التي ندفعها فعلا، في الوظائف العادية تظل تعمل طول 8 ساعات وبعدها يمكنك غلق هاتفك تماما، أنا نحن فنعمل من المنزل وفي ظروف أكثر راحة لكننا نعاني على الجانب الآخر أيضا.
مؤخرا بعدما وطّدت علاقتي مع الكثير من العملاء وصار لدى أكثر من مصدر دخل، صرت أضع الحدود مهما كانت النتائج، أحدد ساعات عملي التي يمكنه التواصل معي فيها، وغير ذلك لا أرد، وأخبره بذلك من البداية بطريقة مهذبة.
وإذا تركني لأني لم أرد عليه، فهذا العميل ليس لي من البداية، يمكنه أن يبحث عن مستقل آخر يرهقه ويستغله.
كلامك منطقي، وأنا أيضًا أؤمن بأن من لا يحترم حدود الوقت ليس العميل المناسب، وغالبًا ما أُفضّل الانسحاب من هذا النوع من التعاملات بدلًا من الاستمرار في بيئة مرهقة.
لكن ما يُقلقني ماذا لو كان هذا هو الأسلوب السائد بين أغلب العملاء؟ إذا انسحبت في كل مرة صادفت فيها عميلًا لا يحترم الحدود، فكيف سأستمر؟
أشعر أحياناً أن الحفاظ على مبدأ الراحة النفسية يتعارض مع الاستقرار المادي، وهذا ما يجعل القرار أكثر تعقيد، خاصة في البدايات أو عند قلة البدائل.
نعم، كثيرون مرّوا بهذه المشكلة، لكن الواقع أن التعامل معها بفعالية لا يأتي فقط من وضع حدود، بل من الالتزام الحازم بها دون شعور بالذنب. الفكرة أن العميل لن يحترم وقتك إذا لم تظهري أنتِ احترامك له أولًا. كل مرة تفتحين فيها الرسائل خارج الأوقات المتفق عليها، حتى بدافع حسن النية، فأنتِ عمليًا تعلمينه أنك متاحة دائمًا، حتى وإن كنتِ تقولين العكس.
العلاقات المهنية لا تتضرر من الحدود الواضحة، بل على العكس: كثير من العملاء يقدّرون المستقل المنظم، لأنه يوحي بالاحتراف. أما من يرى التنظيم "قلة تجاوب"، فغالبًا لا يبحث عن شريك عمل بل عن موظف طوارئ متاح تحت الطلب وهذا النوع لا يُبنى عليه استقرار.
ببساطة إما أن تضعين حدودك وتلتزمين بها، أو تستمر الدائرة بلا نهاية.
وصدقيني، العملاء الجيدون لن يرحلوا لأنك لم تردّي على رسالة منتصف الليل، بل سيرحلون إن أحسّوا بأنك تفتقدين التنظيم أو تُنهكين بسرعة.
الفكرة أن العميل لن يحترم وقتك إذا لم تظهري أنتِ احترامك له أولًا. كل مرة تفتحين فيها الرسائل خارج الأوقات المتفق عليها، حتى بدافع حسن النية، فأنتِ عمليًا تعلمينه أنك متاحة دائمًا، حتى وإن كنتِ تقولين العكس.
كيف يمكن للمستقل أن يُظهر احترامه لوقته دون أن يبدو ذلك وكأنه تجاهل لاحتياجات العميل، خاصة إن كان العميل معتادًا على نمط معين من التواصل؟
بالضبط أرى أن بداية الحل تكمن في فهم عميق لمتطلبات كل طرف، وإدارة توقعات العميل بأسلوب صريح ولبق في آن واحد ، في تجربة مماثلة وجدت من المفيد أن أُعرّف العميل منذ البداية بأوقات عملي الرسمية وأوضح له أن ذلك يضمن جودة الأداء واستمرارية التعاون.
استخدام أدوات التواصل الذكية مثل الرسائل الآلية خارج أوقات العمل لا يقطع التواصل بل يرسّخ مفهوم الاحترام المتبادل.
وفي الوقت نفسه، الاعتراف بأن العملاء يختلفون في حساسية مواعيدهم، أحيانًا يتطلب بعض المرونة المدروسة، دون التنازل عن مبادئ إدارة الوقت.
في النهاية، التواصل الشفاف والاحترام المتبادل هما أساس العلاقة المهنية الناجحة.
صحيح خاصة ما ذكرتِه عن أهمية الشفافية منذ البداية. لكن ما أواجهه أحيانًا هو التحدي النفسي المرتبط بالشعور بالذنب، حتى مع وضوح القواعد وحدود الوقت. قد أكون قد أوضحت للعميل أوقات التواصل، ومع ذلك يبقى في داخلي قلق من أن يُفهم التزامي هذا على أنه عدم اهتمام.
فعلاً الشعور بالذنب شيء طبيعي خصوصاً عندما يكون عندنا حرص كبير على سمعتنا والتزامنا تجاه العمل والناس ، لكن مهم جداً نذكر نفسنا أن وضع الحدود الصحية مش ضعف بل هو احترام للذات وللعمل نفسه ، لما نكون واضحين وصريحين من البداية، العميل غالباً رح يقدّر احترامنا لوقتنا، وهذا بيساعد العلاقة تصير أكثر احترافية ، وحتى لو كان في لحظات قلق، تذكري أنها مرحلة عابرة، ومع الوقت بتتعودين وتثقي أكثر بنفسك وبقدرتك على الموازنة بين العمل والراحة. المهم ما تضحّريش بنفسك على حساب صحتك النفسية.
التعليقات